د.عبد المعطي الدالاتي
ما الذي يجعلنا نحن الآباءَ نسخطُ ضجيج أطفالنا ؟!
ألأنّهم استطاعوا أن يمسّوا استقلالنا ويُحكموا أغلالنا ؟! أم لأنّنا عاجزون عن اللّعب مثلهم ؟!
وما الذي يجعلُ قلوبَ الأطفال منحازةً أبداً إلى المرحِ والانطلاق والطبيعة ؟!
أَلأنّهم وُلدوا في حدائقِ الفطرة الأولى, فهم لا يريدون الحياةَ إلا أزهاراً ؟ ولا يطيقون العمر إلا ربيعاً, ولايبدؤون يومهم إلا في آفاق الشمس, ولا يختمونه إلاّ على راحة القمر ؟! .
ربما.. فطبْعُ الأطفال مرحٌ يطير.. وقلوبُهم منفتحة على أفراحِ الكون بالسرور , وكم يودّون لو يخرجُ الكونُ عن وقارهِ ليرتعَ معهم ويلعب !..
(( هؤلاء الأطفال – يقول الرافعي – هم السهولةُ قبلَ أن تتعقّدْ.. هم أحرارٌ حُرّيةَ نشاطِ الكون, ينبعثُ كالفوضى, ولكنْ في أدقّ النواميس !.. يثيرون السّخط بالضجيج والحركة, فيكونون على خلافٍ مع الناس, لأنّهم على وفاقٍ مع الطبيعة !..
وتحتدمُ بينهم المعارك, ولكن لا تتحطّم فيها إلا اللُّعَب ! )) (1) ..
فلَعبُ الطفل ِفطرة, ومنعُه إذن مُعاداة لها, وما حاربَ أحدٌ الفطرةَ إلا هزمته ..
ومن شكّ فلينظر الابتسامة المشرقة في وجوه الأطفال عند انتهاء الحصة الدراسية الأخيرة من يومهم العتيد!
وإنّ إخراجَ الطفل عن عالمَ اللّعبِ, هو إخراجٌ له عن أظهرِ صفاتِه فهو إضعافٌ لذاته ..
ورسولُ الله يعقوبُ عليه الصلاة والسلام, استجابَ أخيراً لأولاده, فأرسل معهم أخاهم الصغيرَ يوسف كي يشاركهم اللّعب, على الرغم من تحفّظه على هذه النـزهة .
وليسَ لعبُ الطفل مجرّد عبثٍ ضائع, بل إنّ له في الحياة أثراً عظيماً , إذ يُهيّء أرضيّة النضوج الجسدي والفكري والخُلُقي للطفل . فيتعلم الطفلُ الانضباط والتفكير, وتسري فيه روحُ العمل الجماعي والإيثار, كما يهبُهُ اللّعبُ فرصةً لتنضج معارفُ المدرسة التي تلقّاها في يومه, فاللعب ليس أقلّ أهمية للطفل من الكُتُب..
يقول العلّامة محمد الغزالي رحمه الله : (( نحن بحاجةٍ إلى أن نحدّدَ وقتاً للعمل الصحيح, ووقتاً للّعب الصحيح )) (2) .
بلى, فإذا لم نتخذْ من لهو الحياة لعباً, اتخذْنا جدّ الحياة لهواً ولعبا ..
فمن واجبنا أن نُشبع حاجاتِ أطفالنا في اللّعِب كي تكتمل طفولتهم, فنأخذ الرجولة الكاملة من الطفولة الكاملة ..
وإنّ حرمان الطفل من اللعب, واستعجال نموّه, قد يؤدي به إلى ((النكوص)) , فيختزن طفولته في أعماقه فيخسر بذلك الطفولة, ولا يربح الرجولة !.
فيبدأ عمره طفلاً رجلاً, وينهيه رجلاً طفلاً, تحتجّ رجولة جسمه على طفولة أعماله !!.
يقول عروة بن الزبير : (( يا بَنيّ العبوا, فإنّ المروءة لا تكون إلا بعد اللّعب )) .
ويقول د. محمد إقبال : (( إن الأفراخ التي لم تستكمل نموّ جناحها, تغدو طعاماً للقطط من أول تحليق )) ! .
وإن قمع نشاط الطفل, واعتقال انطلاقه, والتضييق عليه بالواجبات المدرسية هو خطأ تربويّ يحرمه من حقّه الخالد بالتمتع بالطفولة البريئة ..
و كم من مُزْكٍ لناره بنفخةٍ قوّاها فأطفأها! وكم من آنية حطّمناها بأيدينا ونحنُ نضع فيها الزهور!..
فالطفولة ليست تكليفاً, وإنما هي تدريبٌ على التكليف, وإذا كان الله جلّ وعلا قد أعفى الطفل من الحساب حتى يبلغَ سنَّ البلوغ, فلماذا نُرهق أطفالنا بالواجبات والتكاليف ؟!.
* * *
" من ديوان " عطر السماء "
——————-
(1) عن (( وحي القلم )) لأديب العربية مصطفى صادق الرافعي ( 1/32 ) .
(2) " حقوق الإنسان بين الإسلام وإعلان الأمم المتحدة " محمد الغزالي (143) .
الف شكر لك يا اخوي الكريم,, جزاك الله خير
و اتمنى استمرار تواصلك معنا بكل ما هو جديد
ام نوره