السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
—
قال تعالى في محكم التنزيل :
( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَِ ) [الأنعام:108]
لا يكاد يهدأ العالم الإسلامي حتى يُفاجأ بهجمة من الأعداء أياً كانوا و أياً كان دينهم ويبدأ مسلمون بشن هجمة مضادة، قليلاً ما يفعلون و كثيراً ما يقولون.
مَن منا ينكر ما تزخر به مقالات الصحف ومنتديات الشبكة العنكبوتية من كلمات تخدش الحياء و يخجل السوي عن ذكرها و تصدر – للأسف – من مسلمين تنكيلاً بالأعداء ! و كأنما العدو سيُجرح و ينزوي !
هل تأملنا ما جاء في هذه الآية الكريمة ؟
و هل نحن أغيَر على دين الله تبارك و تعالى من الله عز و جل و رسوله عليه الصلاة و السلام ؟
قد يحتج أحدنا بحديث نبينا عليه الصلاة و السلام : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "
حديث صحيح ولا ينطق نبينا عن الهوى .. و لكن هل تغيير المنكر يكون بالسب والشتم والقذف ؟!!
منقولاً عن الشيخ حامد العلي : يشرع إن كان فيه مصلحة مثل بيان باطلهم والزجر عن إتباعهم ، وإنكشاف سفاهة عقولهم إذ كفروا بالله ، وجحدوا حق خالقهم عليهم ، واتبعـــــوا أهواءهم ، فالله تعالى قال : " أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَِ " ، وفي آيات أخرى أيضا ، كقوله تعالى على لسان نوح : " إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَِ " ، وعلى لسان موسى عليـه السلام : " وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًاِ "، وضرب الله مثلا لهم بالحمار يحمل أسفارا ، وبالكلب إن تحمل عليهم يلهث أو تتركه يلهث ، وذكر انه بئس المثل ، ويكره لغير مصلحة ، لأنه يخالف كمال الخلق.
قال رسولنا عليه أفضل الصلاة و السلام : " ليس المؤمن بالطعان ، و لا اللعان ، و لا الفاحش ، و لا البذيء "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت "
قال النووي رحمه الله :
معناه : أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه , واجبا أو مندوبا فليتكلم . وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه , فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين. فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه . وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا. انتهى
من فضل ربي عز وجل أن المسلمين رزقوا نعمة قليل من يدركها ألا وهي : الدعــاء .. إن كان لنصرة المسلمين أو لرد كيد المعتدين
قال العراقي في طرح التثريب 2/292 في شرح حديث قنوت النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار: فيه جواز الدعاء على الكفار ولعنهم، قال صاحب المفهم: ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم، واختلفوا في جواز الدعاء على أهل المعاصي فأجازه قوم ومنعه آخرون. انتهى.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن 4/269: في تفسير قوله تعالى عن نوح عليه السلام رب لا تذر على الأرض … المسألة الثانية : دعاء نوح على الكافرين أجمعين، ودعاء النبي صلى الله وعليه وسلم على من تحزب على المؤمنين، وألب عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكفار في الجملة، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يُدعى عليه لأن مآله عندنا مجهول. انتهى.
و أرجع للآية الكريمة
( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَِ )
جاء في تفسير ابن كثير
يقول الله تعالى ناهياً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سبّ آلهة المشركين, وإن كان فيه مصلحة, إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها, وهي مقابلة المشركين بسبّ إله المؤمنين, وهو الله لا إله إلا هو كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاَية: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا, أو لنهجون ربك, فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم {فيسبوا الله عدواً بغير علم} وقال عبد الرزاق عن معمر, عن قتادة: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار, فيسب الكفار الله عدواً بغير علم, فأنزل الله {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله}.
ومن هذا القبيل, وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها, ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من سب والديه " قالوا: يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه "
و جاء في تفسير القرطبي
الآية جاءت بخمس مسائل أختصرها لكم :
الأولى: قوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله نهي. فيسبوا الله جواب النهي. فنهى سبحانه المؤمنين أن يسبوا أوثانهم، لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفراً. قال ابن عباس: قالت كفار قريش لأبي طالب إما أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب إلهه ونهجوه، فنزلت الآية.
الثانية: قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية. وعبر عن الأصنام وهي لا تعقل بــالذين على معتقد الكفرة فيها.
الثالثة: في هذه الآية أيضاً ضرب من الموادعة، ودليل على وجوب الحكم بسد الذرائع، حسب ما تقدم.
الرابعة: قوله تعالى: عدوا أي جهلاً واعتداء. وروي عن أهل مكة أنهم قرءوا عدواً بضم العين والدال وتشديد الواو، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء و قتادة ، وهي راجعة إلى القراءة الأولى، وهما جميعاً بمعنى الظلم.
الخامسة: قوله تعالى: كذلك زينا لكل أمة عملهم أي كما زينا لهؤلاء أعمالهم كذلك زينا لكل أمة عملهم. قال ابن عباس: زينا لأهل الطاعة الطاعة، ولأهل الكفر الكفر.
وختامـاً .. أناشد إخواني و أخواتي في الإسلام بأن يتثبتوا و يتحلموا فإنما الحلم بالتحلم، و لنتذكر قول نبينا صلى الله عليه و سلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ".
وصلي اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
إن أصبت فمن فضل ربي و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان
—
من أراد نشره فهو في حل .. جزاه الله عنا خير الجزاء
9/10/2007
موضوع رائع..
ونعنا الله واياكي بما كتبت..
الله يوفقك على الطرح القيم و النافع و المفيد
هكذا نحن همتنا الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم
و أصحابه و إحياء سننه الحمد لله …
أخوة في الله تعاونوا على بذل أنفسهم من أجل الإسلام ..
أثابك الله و نور طريقك للخير و الرشاد .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خير أخواتي
أسعدني مروركم الغالي