1حم
ابن كثير
وهي مكية
قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع, حدثنا زيد بن الحباب عن عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك" ثم قال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وعمر بن أبي خثعم يضعف قال البخاري منكر الحديث.
ثم قال: حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي, حدثنا زيد بن الحباب عن هشام أبي المقدام عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له" ثم قال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وهشام أبو المقدام يضعف, والحسن لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه, كذا قال أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد رحمة الله عليهم أجمعين, وفي مسند البزار من رواية أبي الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: "إني قد خبأت خبأ فما هو ؟" وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الدخان فقال: هو الدخ. فقال: "اخسأ ما شاء الله كان" ثم انصرف.
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
———————————————-
الجلالين
حم
التفسير1 – (حم) الله أعلم بمراده به
——————————————–
القرطبى
حم
التفسير مكية بإتفاق ، إلا قوله تعالى : " إنا كاشفوا العذاب قليلا " [ الدخان : 15 ] ، وهي سبع وخمسون آية ، وقيل : تسع ، وفي مسند الدرامي عن أبي رافع قال : من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفوراً له وزوج من الحور العين ، رفعه الثعلبي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفوراً له " ، وفي لفظ آخر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك "، و" عن أبي أمامة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتاً في الجنة " .
" حم "
——————————–
باذن الله تعالى كل يوم هنكون فى رحاب ايه بتفسيرها والله الموفق
2 وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
———————————————————————–
الجلالين
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ
التفسير2 – (والكتاب) القرآن (المبين) المظهر الحلال من الحرام
—————————————————————————
القرطبى
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ
التفسير قوله تعالى : " والكتاب المبين "
إن جعلت ( حم ) جواب القسم تم الكلام عند قوله : " المبين " .
3- إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
الجلالين
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
التفسير3 – (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) هي ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان نزل فيها من أم الكتاب من السماء السابعة إلى سماء الدنيا (إنا كنا منذرين) مخوفين به
القرطبى
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
التفسير قوله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين "
ثم تبتدئ ( إنا أنزلناه ) وإن جعلت ( إنا كنا منذرين ) جواب القسم الذي هو ( الكتاب ) وقفت على ( منذرين ) وابتدأت ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) وقيل : الجواب ( إنا أنزلناه ) ، وأنكره بعض النحويين من حيث صفة للمقسم به ، ولا تكون صفة المقسم به جواباً للقسم ، والهاء في ( أنزلناه ) للقرآن ، ومن قال : أقسم بسائر الكتب فقوله : " إنا أنزلناه " كنى به عن غير القرآن ، على ما تقدم بيانه في أول الزخرف ، والليلة المباركة ليلة القدر ، ويقال : ليلة النصف من شعبان ، ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصك ، وليلة القدر ، ووصفها بالبركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب وروى قتادة عن واثلة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لاثنتي عشرة من رمضان وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان " ، ثم قيل أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة ، ثم أنزل نجماً نجماً في سائر الأيام على حسب اتفاق الأسباب وقيل : كان ينزل في كل ليلة القدر ما ينزل في سائر السنة ، وقيل : كان ابتداء الإنزال في هذه الليلة ، وقال عكرمة : الليلة هاهنا ليلة النصف من شعبان ، والأول أصح لقوله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة القدر " [ القدر : سورة البقرة الآية مائتان ] ، قال قتادة و ابن زيد : أنزل الله القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب إلى بيت العزة في سماء الدنيا ، ثم أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة ، وهذا المعنى قد مضى في البقرة عند قوله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " [ البقرة : 185 ] ، ويأتي آنفاً إن شاء الله تعالى .
4- فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
الجلالين
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
التفسير4 – (فيها) أي في لبلة القدر أو ليلة النصف من شعبان (يفرق) يفصل (كل أمر حكيم) محكم من الأرزاق والآجال وغيرها التي تكون في السنة إلى مثل تلك الليلة
القرطبى
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
التفسير قوله تعالى : " فيها يفرق كل أمر حكيم "
قال ابن عباس : يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق ، وقاله قتادة و مجاهد و الحسن وغيرهم ، وقيل : إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران ، قاله ابن عمر ، قال المهدوي : ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل ، وقال عكرمة : هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد ، وروى عثمان بن المغيرة قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى " ، و" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا نهارها فإن الله ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا يقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مبتلى فأعافيه ألا مسترزق فأرزقه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر "، ذكره الثعلبي ، وخرج الترمذي بمعناه عن عائشة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب " ، وفي الباب عن أبي بكر الصديق قال أبو عيسى : حديث عائشة لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة ، وسمعت محمداً يضعف هذا الحديث ، وقال : يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة ، و الحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير .
قلت : وقد ذكر حديث عائشة مطولاً صاحب كتاب العروس ، واختار أن الليلة التي يفرق فيها كل حكيم ليلة النصف من شعبان ، وأنها تسمى ليلة البراءة ، وقد ذكرنا قوله والرد عليه في غير هذا الموضع ، وأن الصحيح إنما هي ليلة القدر على ما بيناه ، روى حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال : سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال : يا أبا سعيد ، أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي ؟ قال : أي والله الذي لا إله إلا هو ، إنها في كل رمضان ، إنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها ، وقال ابن عباس : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج ، يقال : يحج فلان ويحج فلان . وقال في هذه الآية : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى وهذه الإبانة لإحكام السنة إنما هي للملائكة الموكلين بأسباب الخلق ، وقد ذكرنا هذا المعنى آنفاً ، وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر ، ومنهم من قال : إنها ليلة النصف من شعبان ، وهو باطل لأن الله تعالى قال في كتاب الصادق القاطع : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " [ البقرة : 185 ] ، فنض على أن ميقات نزوله رمضان ، ثم عين من زمانه الليل هاهنا بقوله : " في ليلة مباركة " ، فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله ، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها ، الزمخشري : ( وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر ، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ، ونسخة الحروب إلى جبريل ، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ، ، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت ، وعن بعضهم يعطي كل عامل بركات أعماله ، فيلقي على ألسنة الخلق مدحه ، وعلى قلوبهم هيبته ، وقرئ ( نفرق ) بالتشديد ، و( يقرق ) كل على بنائه للفاعل ونصب ( كل ) والفارق الله عز وجل ، وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه ( نفرق ) بالنون " كل أمر حكيم " كل شأن ذي حكمة ، أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة ) .
5-أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
الجلالين
أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
التفسير5 – (أمرا) فرقا (من عندنا إنا كنا مرسلين) الرسل محمد ومن قبله
القرطبى
أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
التفسير قوله تعالى : " أمرا من عندنا " قال النقاش : الأمر هو القرآن أنزله الله من عنده ، وقال ابن عيسى : هو ما قضاه الله في الليلة المباركة من أحوال عباده ، وهو مصدر في موضع الحال .
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
الجلالين
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
التفسير6 – (رحمة) رأفة بالمرسل إليهم (من ربك إنه هو السميع) لأقوالهم (العليم) بأفعالهم
القرطبى
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
التفسير قوله تعالى : " رحمة من ربك إنه هو السميع العليم "
وكذلك " رحمة من ربك " وهما عند الأخفش حالان ، تقديرهما ، أنزلناه آمرين به وراحمين ، المبرد : ( أمراً ) في موضع المصدر ، والتقدير : أنزلناه إنزالاً ، الفراء و الزجاج : ( أمراً ) نصب بـ ( يفرق ) مثل قولك ( يفرق فرقاً ) فأمر بمعنى فرق فهو مصدر ، مثل قولك : يضرب ضرباً ، وقيل : ( يفرق ) يدل على يؤمر ، فهو مصدر عمل فيه ما قبله ، ( إنا كنا مرسلين ، رحمة من ربك ) قال الفراء : ( رحمة ) مفعول بـ( مرسلين ) ، والرحمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الزجاج : ( رحمة ) مفعول من أجله ، أي أرسلناه للرحمة ، وقيل : هي بدل من قوله ( أمراً ) وقيل : هي مصدر : الزمخشري : ( أمراً ) نصب على الاختصاص ، جعل كل أمر جزلاً بأن وصفه بالحكيم ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا ، كائناً من لدنا ، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا ، وفي قراءة زيد بن علي ( أمر من عندنا ) على هو أمر ، وهي تنصر انتصابه على الاختصاص ، وقرأ الحسن ( رحمة ) على تلك هي رحمة ، وهي تنصر انتصابها بأنه مفعول له .
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
الجلالين
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
التفسير7 – (رب السماوات والأرض وما بينهما) برفع رب خبر ثالث وبحره بدل من ربك (إن كنتم) يا أهل مكة (موقنين) بأنه تعالى رب السموات والأرض فأيقنوا بأن محمد رسوله
القرطبى
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
التفسير قوله تعالى : " رب السماوات والأرض " قرأ الكوفيون ( رب ) بالجر ، الباقون بالرفع ، رداً على قوله : " إنه هو السميع العليم " وإن شئت على الابتداء ، والخبر لا إله إلا هو ، أو يكون خبر ابتداء محذوف ، تقديره : هو رب السموات والأرض ، والجر على البدل من ( ربك ) وكذلك ، ( ربكم ورب آبائكم الأولين ) بالجر فيهما ، رواه الشيزري عن الكسائي ، الباقون بالرفع على الاستئناف ثم يحتمل أن يكون هذا الخطاب مع المعترف بأن الله خلق السموات والأرض ، أي إن كنتم موقنين به فاعلموا أن له أن يرسل الرسل ، وينزل الكتب ، ويجوز أن يكون الخطاب مع من لا يعترف أنه الخالق ، أي ينبغي أن يعرفوا أنه الخالق ، وأنه الذي يحيى ويميت ، وقيل : الموقن هاهنا هو الذي يريد اليقين ويطلبه ، كما تقول : فلان ينجد ، أي يريد نجداً ، ويتهم أي يريد تهامه .
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
التفسير يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة, وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة, فإن نص القرآن أنها في رمضان, والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري, أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل: "إنا كنا منذرين" أي معلمين ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده.
وقوله: "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة, وما يكون فيها من الاجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف وقوله جل وعلا: "حكيم" أي محكم لا يبدل ولا يغير, ولهذا قال جل جلاله: "أمراً من عندنا" أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه "إنا كنا مرسلين" أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه, ولهذا قال تعالى: "رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * رب السموات والأرض وما بينهما" أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها "إن كنتم موقنين" أي إن كنتم متحققين ثم قال تعالى: "لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين" وهذه الاية كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت" الاية.
الجلالين
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
التفسير8 – (لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين)
القرطبى
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
التفسير قوله تعالى : " لا إله إلا هو يحيي ويميت " أي هو خالق العالم ، فلا يجوز أن يشرك به غيره ممن لا يقدر على خلق شيء ، و ( هو يحيي ويميت ) أي يحيى الأموات ويميت الأحياء ، " ربكم ورب آبائكم الأولين " أي مالككم ومالك من تقدم منكم ، واتقوا تكذيب محمد لئلا ينزل بكم العذاب .
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
التفسير يقول تعالى: بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون أي قد جاءهم الحق اليقين وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به, ثم قال عز وجل متوعداً لهم ومهدداً: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" قال سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح, عن مسروق قال: دخلنا المسجد, يعني مسجد الكوفة عند أبواب كندة, فإذا رجل يقص على أصحابه "يوم تأتي السماء بدخان مبين" تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام, قال: فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه, فذكرنا له ذلك وكان مضطجعاً, ففزع فقعد وقال: إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم سأحدثكم عن ذلك, إن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف, فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة, وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان, وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد.
قال الله تعالى: " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم " فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت, فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم فسقوا فنزلت " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " قال ابن مسعود رضي الله عنه: فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله عز وجل: "يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" قال يعني يوم بدر قال ابن مسعود رضي الله عنه: فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده, وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيريهما, وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به, وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الاية بهذا, وأن الدخان مضى: جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي, وهو اختيار ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا جعفر بن مسافر, حدثنا يحيى بن حسان, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا عبد الرحمن الأعرج في قوله عز وجل: "يوم تأتي السماء بدخان مبين" قال: كان يوم فتح مكة وهذا القول غريب جداً بل منكر. وقال آخرون لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه, قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها, والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم والدجال وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب, ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس ـ أو تحشر الناس ـ تبيت معهم حيث باتوا, وتقيل معهم حيث قالوا". تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه, وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: "إني خبأت لك خبأ" قال: هو الدخ, قال صلى الله عليه وسلم "اخسأ فلن تعدو قدرك" قال: وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب, وابن صياد كاشف على طريقة الكهان بلسان الجان, وهم يقرطمون العبارة, ولهذا قال هو الدخ, يعني الدخان, فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته وأنها شيطانية فقال صلى الله عليه وسلم: "اخسأ فلن تعدو قدرك".
ثم قال ابن جرير: وحدثني عصام بن رواد بن الجراح, حدثنا أبي, حدثنا سفيان بن أبي سعيد الثوري, حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول الايات الدجال ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام, ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا, والدخان ـ قال حذيفة رضي الله عنه يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم" ـ يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة, أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة, وأما الكافر فيكون بمنزلة ال يخرج من منخريه وأذنيه ودبره". قال ابن جرير: لو صح هذا الحديث لكان فاصلاً وإنما لم أشهد له بالصحة لأن محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل رواداً عن هذا الحديث هل سمعه من سفيان ؟ فقال له: لا , قال فقلت: أقرأته عليه ؟ قال: لا , قال فقلت: أقرىء عليه وأنت حاضر فأقر به ؟ فقال: لا , فقلت له: فمن أين جئت به ؟ فقال: جاءني به قوم فعرضوه علي وقالوا لي اسمعه منا, فقرءوه علي ثم ذهبوا به فحدثوا به عني أو كما قال وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث ههنا, فإنه موضوع بهذا السند, وقد أكثر ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير, وفيه منكرات كثيرة جداً, ولا سيما في أول سورة بني إسرائيل في ذكر المسجد الأقصى, والله أعلم.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن عوف, حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش, حدثني أبي, حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم أنذركم ثلاثاً: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة, ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه, والثانية الدابة والثالثة الدجال". ورواه الطبراني عن هاشم بن يزيد عن محمد بن إسماعيل بن عياش به وهذا إسناد جيد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا صفوان, حدثنا الوليد, حدثنا خليل عن الحسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهيج الدخان بالناس, فأما المؤمن فيأخذه الزكمة, وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه". ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه موقوفاً, وروى سعيد بن عوف عن الحسن مثله.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: لم تمض آية الدخان بعد, يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفذ وروى ابن جرير من حديث الوليد بن جميع عن عبد الملك بن المغيرة, عن عبد الرحمن بن البيلماني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام, ويدخل مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ أي المشوي على الرضف, ثم قال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا ابن علية عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت: لم ؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب, فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت. وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي عمر عن سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد, عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره, وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن, وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع, ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الايات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن, قال الله تبارك وتعالى: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" أي بين واضح يراه كل أحد, وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد, وهكذا قوله تعالى: "يغشى الناس" أي يتغشاهم ويعمهم, ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه "يغشى الناس".
وقوله تعالى: "هذا عذاب أليم" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً كقوله عز وجل: " يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هذه النار التي كنتم بها تكذبون " أو يقول بعضهم لبعض ذلك. وقوله سبحانه وتعالى: "ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون" أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته "ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" وكذا قوله جل وعلا: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال". وهكذا قال جل وعلا ههنا: "أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون". يقول: كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولاً بين الرسالة والنذارة, ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه بل كذبوه وقالوا معلم مجنون, وهذا كقوله جلت عظمته: " يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى " الاية وكقوله عز وجل: "ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب * وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" إلى آخر السورة.
وقوله تعالى: " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " يحتمل معنيين: (أحدهما) أنه يقول تعالى ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا, لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى: "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون" وكقوله جلت عظمته: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون". و (الثاني) أن يكون المراد إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلاً بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم. وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال, ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى: "إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين". ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم, ولا يلزم أيضاً أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه, قال الله تعالى إخباراً عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه حين قالوا: " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها " وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم, وقال قتادة: إنكم عائدون إلى عذاب الله.
وقوله عز وجل: "يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" فسر ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بيوم بدر, وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسيره الدخان بما تقدم, وروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب رضي الله عنه, وهو محتمل, والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاً قال ابن جرير: حدثني ابن علية, حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن مسعود رضي الله عنه: البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة, وهذا إسناد صحيح عنه وبه يقول الحسن البصري وعكرمة في أصح الروايتين عنه, والله أعلم.
الجلالين
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
التفسير9 – (بل هم في شك) من البعث (يلعبون) استهزاء بك يا محمد فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع
القرطبى
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
التفسير قوله تعالى : " بل هم في شك يلعبون " أي ليسوا على يقين فيما يظهرونه من الإيمان والإقرار في قولهم ، إن الله خالقهم ، وإنما يقولونه لتقليد آبائهم من غير علم فهم في شك ، وإن توهموا أنهم مؤمنون فهم يلعبون في دينهم بما يعن لهم من غير حجة ، وقيل : ( يلعبون ) يضيفون إلى النبي صلى الله عليه وسلم الافتراء استهزاء ، ويقال لمن أعرض عن المواعظ : لا عب ، وهو كالصبي الذي يلعب فيفعل ما لا يدري عاقبته .
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
التفسير يقول تعالى: بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون أي قد جاءهم الحق اليقين وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به, ثم قال عز وجل متوعداً لهم ومهدداً: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" قال سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح, عن مسروق قال: دخلنا المسجد, يعني مسجد الكوفة عند أبواب كندة, فإذا رجل يقص على أصحابه "يوم تأتي السماء بدخان مبين" تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام, قال: فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه, فذكرنا له ذلك وكان مضطجعاً, ففزع فقعد وقال: إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم سأحدثكم عن ذلك, إن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف, فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة, وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان, وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد.
قال الله تعالى: " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم " فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت, فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم فسقوا فنزلت " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " قال ابن مسعود رضي الله عنه: فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله عز وجل: "يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" قال يعني يوم بدر قال ابن مسعود رضي الله عنه: فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده, وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيريهما, وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به, وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الاية بهذا, وأن الدخان مضى: جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي, وهو اختيار ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا جعفر بن مسافر, حدثنا يحيى بن حسان, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا عبد الرحمن الأعرج في قوله عز وجل: "يوم تأتي السماء بدخان مبين" قال: كان يوم فتح مكة وهذا القول غريب جداً بل منكر. وقال آخرون لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه, قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها, والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم والدجال وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب, ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس ـ أو تحشر الناس ـ تبيت معهم حيث باتوا, وتقيل معهم حيث قالوا". تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه, وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: "إني خبأت لك خبأ" قال: هو الدخ, قال صلى الله عليه وسلم "اخسأ فلن تعدو قدرك" قال: وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب, وابن صياد كاشف على طريقة الكهان بلسان الجان, وهم يقرطمون العبارة, ولهذا قال هو الدخ, يعني الدخان, فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته وأنها شيطانية فقال صلى الله عليه وسلم: "اخسأ فلن تعدو قدرك".
ثم قال ابن جرير: وحدثني عصام بن رواد بن الجراح, حدثنا أبي, حدثنا سفيان بن أبي سعيد الثوري, حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول الايات الدجال ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام, ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا, والدخان ـ قال حذيفة رضي الله عنه يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم" ـ يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة, أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة, وأما الكافر فيكون بمنزلة ال يخرج من منخريه وأذنيه ودبره". قال ابن جرير: لو صح هذا الحديث لكان فاصلاً وإنما لم أشهد له بالصحة لأن محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل رواداً عن هذا الحديث هل سمعه من سفيان ؟ فقال له: لا , قال فقلت: أقرأته عليه ؟ قال: لا , قال فقلت: أقرىء عليه وأنت حاضر فأقر به ؟ فقال: لا , فقلت له: فمن أين جئت به ؟ فقال: جاءني به قوم فعرضوه علي وقالوا لي اسمعه منا, فقرءوه علي ثم ذهبوا به فحدثوا به عني أو كما قال وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث ههنا, فإنه موضوع بهذا السند, وقد أكثر ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير, وفيه منكرات كثيرة جداً, ولا سيما في أول سورة بني إسرائيل في ذكر المسجد الأقصى, والله أعلم.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن عوف, حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش, حدثني أبي, حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم أنذركم ثلاثاً: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة, ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه, والثانية الدابة والثالثة الدجال". ورواه الطبراني عن هاشم بن يزيد عن محمد بن إسماعيل بن عياش به وهذا إسناد جيد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا صفوان, حدثنا الوليد, حدثنا خليل عن الحسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهيج الدخان بالناس, فأما المؤمن فيأخذه الزكمة, وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه". ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه موقوفاً, وروى سعيد بن عوف عن الحسن مثله.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: لم تمض آية الدخان بعد, يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفذ وروى ابن جرير من حديث الوليد بن جميع عن عبد الملك بن المغيرة, عن عبد الرحمن بن البيلماني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام, ويدخل مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ أي المشوي على الرضف, ثم قال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا ابن علية عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت: لم ؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب, فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت. وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي عمر عن سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد, عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره, وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن, وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع, ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الايات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن, قال الله تبارك وتعالى: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" أي بين واضح يراه كل أحد, وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد, وهكذا قوله تعالى: "يغشى الناس" أي يتغشاهم ويعمهم, ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه "يغشى الناس".
وقوله تعالى: "هذا عذاب أليم" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً كقوله عز وجل: " يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هذه النار التي كنتم بها تكذبون " أو يقول بعضهم لبعض ذلك. وقوله سبحانه وتعالى: "ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون" أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته "ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" وكذا قوله جل وعلا: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال". وهكذا قال جل وعلا ههنا: "أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون". يقول: كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولاً بين الرسالة والنذارة, ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه بل كذبوه وقالوا معلم مجنون, وهذا كقوله جلت عظمته: " يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى " الاية وكقوله عز وجل: "ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب * وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" إلى آخر السورة.
وقوله تعالى: " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " يحتمل معنيين: (أحدهما) أنه يقول تعالى ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا, لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى: "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون" وكقوله جلت عظمته: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون". و (الثاني) أن يكون المراد إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلاً بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم. وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال, ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى: "إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين". ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم, ولا يلزم أيضاً أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه, قال الله تعالى إخباراً عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه حين قالوا: " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها " وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم, وقال قتادة: إنكم عائدون إلى عذاب الله.
وقوله عز وجل: "يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" فسر ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بيوم بدر, وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسيره الدخان بما تقدم, وروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب رضي الله عنه, وهو محتمل, والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاً قال ابن جرير: حدثني ابن علية, حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن مسعود رضي الله عنه: البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة, وهذا إسناد صحيح عنه وبه يقول الحسن البصري وعكرمة في أصح الروايتين عنه, والله أعلم.
الجلالين
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
التفسير10 – (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) فأجدبت الأرض واشتد بهم الجوع إلى أن رأوا من شدله كهيئة الدخان بين السماء والأرض
القرطبى
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
التفسير قوله تعالى : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " ارتقب معناه انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين ، قاله قتادة ، وقيل : معناه احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين ، ولذلك سمي الحاف رقيباً وفي الدخان أقول ثلاثة : الأول أنه من أشراط الساعة لم يجئ بعد ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوماً يملأ ما بين السماء والأرض ، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ، ويضيق أنفاسهم ، وهو من آثار جهنم يوم القيامة ، وممن قال إن الدخان لم يأت بعد ، علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة و زيد بن علي و الحسن و ابن أبي مليكة وغيرهم ، وروى أبو سعيد الخدري مرفوعاً أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة ، يأخذ المؤمن منه كالزكمة ، وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه ذكره الماوردي ، وفي صحيح مسلم عن أبي الطفيل ، " عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : أطلع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال : ما تذكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " ، في رواية عن حذيفة : " إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات ، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس " ، وخرجه الثعلبي أيضاً ، عن حذيفة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول الآيات خروجاً الدجال ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا ، قلت يا نبي الله ، وما الدخان ؟ قال هذه الآية : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام وأما الكافر فيكون يمنزلة ال يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنيه ودبره " ، فهذا قول ، القول الثاني ، أن الدخان هو ما أصاب قريشاً من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخاناً ، قاله ابن مسعود قال : وقد كشفه الله عنهم ، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم ، والحديث عنه بهذا في صحيح البخاري و مسلم و الترمذي ، قال البخاري : حدثني يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : قال عبد الله : إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله تعالى : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم " قال : فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ، قال : لمضر ! إنك لجريء ، فاستسقى فسقوا ، فنزلت : " إنكم عائدون " فلما أصابتهم الرفاهية ، فأنزل الله عز وجل : " يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون " قال : يعني يوم بدر ، قال أبو عبيدة : والدخان والجدب ، القتبي : سمي دخاناً ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان ، القول الثالث ، إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ، قاله عبد الرحمن الأعرج .