أما بعد، فقد قال الله تبارك وتعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُّ أُولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}.ا
قوله تبارك وتعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ} أيْ لا تقل قولاً بغير علم فيما ليس فيه رخصة للإنسان أن يقوله بغير مستند شرعي. ا
وقد ورد في جامع الترمذي وفي كتاب الصمت للحافظ عبد الله بن محمد أبي بكر القرشي "قل خَيْرًا وإلا فاسكُت" وذلك لأن من أكبر مهالك ابن ءادم أن يقول بما لا يعلم أنه جائز فيحلله أو يقول بتحريم شىء لا يعلم له مستندًا في شرع الله تعالى، فالقول بجواز شىء والقول بتحريم شىء إن لم يكن مستندًا إلى شرع الله تبارك وتعالى فهو باطل وبالٌ على صاحبه. لذلك استحسن أهل العلم، أهل الورع أهل التقوى كلمة "لا أدري" فيما لا يعلم الشخص أنه جائز أو أنه غير جائز.ا
فقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن شىء فقال "لا أدري، ما أبردها على الكبد أن أُسأل عن شىء لا أعلمه فأقول لا أدري". فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صح عنه وثبت أنه سئل عن بعض الأشياء فقال: لا أدري، ثم سأل جبريل، فقال: لا أدري أسأل رب العزة، فسأل الله تعالى، فعلمه جواب ذلك السؤال، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ماذا علمه ربه. وهذا السؤال كان عن خير البقاع وشر البقاع، وفي لفظ عن خير البلاد وشرها فقال جبريل عليه السلام "خير البلاد المساجد" وفي لفط "خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق".ا
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة "لا تكن أول من يدخلها (أي الأسواق)، ولا تكن ءاخر من يخرج منها، ومعنى الحديث أن الشيطان يحب الأسواق لأن فيها يكثر الحلف بالله على الكذب، ويكثر فيها وصف الأمتعة بالكذب، ويكثر فيها الخصومات، ويكثر فيها الغش والتدليس، لذلك كانت شر البقاع.ا
وأما المساجد فكانت هي أحب البقاع إلى الله تعالى، لأنها بنيت لعبادة الله تعالى، فكان الصلاة فيها أفضل من الصلاة في البيوت أي بالنسبة للفرائض ليس بالنسبة للنفل،ا فإن النفل في البيت أفضل ثوابًا منه في المسجد، ومن حيث إن المكث في المسجد لمن نوى الاعتكاف فيه لو مدة يسيرة، ساعة أو أقل منها يكون له فيه ثواب الاعتكاف.ا وإن كان يتلو قرءانًا أو يسبَّح أو يمجّد الله تعالى بالتهليل أو التكبير أو التحميد كان أعظم أجرًا. ثم إن من أحكام المساجد تجنيبها النجاسة، فمن لوث بقعةً من المسجد بنجاسة كان عليه وزر.ا