بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فضّل الله (تعالى) بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة ليجدّ العباد في وجوه البر، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن [ ] عملوا على صد الناس عن سواء السبيل، وقعدوا لهم كل مرصد ليحولوا بينهم وبين الخير، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، وميدان لتعاطي اللذات والشهوات.
وحرّضوا طوائف أخرى سواء أكانوا ممن قد يملكون نوايا طيبة ولكن غلب عليهم الجهل بأحكام الدين أو من ذوي المصالح والرياسات الدينية أو الدنيوية الخائفين على مصالحهم وزوال مواقعهم من مزاحمة مواسم الخير والسّنّة مواسم مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان، قال حسان بن عطية: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة" (1)، بل قال أيوب السختياني: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله بعداً"(2).
ولعل من أبرز تلك المواسم البدعية: ما يقوم به بعض العباد في كثير من البلدان في شهر رجب، ولذا: فسأحرص في هذه المقالة على تناول بعض أعمال الناس فيه، وعرضها على نصوص الشريعة [ ] وكلام أهل العلم، نصحاً للأمة وتذكيراً لهم لعل في ذلك هداية لقلوب، وتفتيحاً لعيونٍ, وآذانٍ, عاشت في ظلمات البدع [ ] وتخبطات الجهل.
هل لـ (رجب) فضل على غيره من الشهور؟
قال ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره"(3).
وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة، ونحن نسوق الضعيفة، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة"(4)، ثم شرع في سوقها.
صلاة الرغائب:
أولاً: صفتها:
وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس عن النبي [ ] -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة [ ] اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و ((إنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ)) ثلاث مرات، و((قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: (سبوح قدوس رب الملائكة [ ] والروح)، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله (تعالى) حاجته، فإنها تقضى".. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة [ ] في سبعمئة من أهل بيته ممن قد استوجب النار"(5)