إن المؤمن يبتلى في هذه الدنيا أنواعا من البلاء وصورا شتى؛ كما قال – تعالى -: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
وتجري عليه أحوال عجيبة قد لا تخطر على باله ولا تجري في حسابه.
ويفقد أمورا ثمينة قد أنفق فيها الغالي والنفيس.
ومع كثرة البلاء يصيب المؤمن ضعف وخور ووهن شديد وقد يترك في نفسه آثارا سيئة وأعراضا نفسية ورؤية متشائمة فينقطع عن الخير ويغلبه الحزن والاكتئاب ويسوء ظنه بربه.
لماذا تحزن وأنت تعلم أن البلاء علامة على محبة الله كما قال رسولك الكريم – صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله – تعالى -إذا أحبّ قوماً ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السخط)).
لماذا تحزن وأنت تعلم أن البلاء كفارة لذنوبك؛ كما قال قدوتك – صلى الله عليه وسلم -: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله – تعالى – وما عليه خطيئة)).
لماذا تحزن وأنت تعلم أن البلاء طريق للجنة؛ كما قال حبيبك – صلى الله عليه وسلم -: (يقول الله – تعالى – ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبَضتُ صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).
هل تعلم بأن مجرد صبرك على البلاء فقط من غير عمل صالح كثير يرفع درجاتك في الجنة وينزلك المنازل العالية؛ كما أخبر بذلك رسولك – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعملٍ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتّى يبلّغه إيّاها)).
أيها المؤمن: لماذا توهن وأنت تعلم أن ما أصابك لم يكن باختيارك وقدرتك، فلا تلومن نفسك على أمر ليس في طاقتك دفعه وإنما هو بتقدير الله وقضائه لحكمة أرادها الله منك. فلوم النفس على الأقدار المؤلمة نقص في العقل وضعف في البصيرة وخلل في الإيمان بالقدر.
أيها المؤمن: أبشر بالخير العظيم لما فاتك من فقد العزيز وعرض الدنيا وأنت صابر محتسب، فإن الله إذا أراد بعبد خيرا أصاب منه كما ورد في الأثر.
تذكر -أيها المؤمن- أن رسولك – صلى الله عليه وسلم – نزل به عظيم البلاء فكان قويا صابرا ثابتا لم يوهن ولم يجزع ومضى في سبيل الطاعة والخير ولم يبدل تبديلا.
تذكر أنك ما زلت قويا بالله واثقا بعطائه ولطفه ورحمته لا تتزعزع ولا توهن ولا تضعف أمام حزن الأيام وصروف الليالي فاستعن بالله وتوكل عليه أحسن التوكل.
أيها المؤمن: تنبه أن الشيطان عدوك اللدود يريد أن يطيح بك ويلقي في روعك الحزن والأسى والوهن لما أصابك من البلاء فتحصن منه بالذكر وتغلب عليه.
أيها المؤمن: كلما نزل بك البلاء تجلد واصبر وأظهر الرضا وإياك أن تضعف وتخور أمام أهلك وولدك وخاصتك؛ لأن ذلك يضعفهم وينزل الخوف في روعهم ويفقدهم الثقة والتوازن، بل أعطهم الأمان وامنحهم الهدوء، وإذا خلوت بربك فبث همك وأرسل دمعتك وأخرج أحزانك.
أيها المؤمن: إذا اشتد عليك الحال وضاقت بك السبل، فاركن إلى ربك الرحيم، كاشف الهم، وتعلق برحمته ولطفه، واسترجع في مصيبتك، وافزع إلى الصلاة، والزم الذكر حتى يكشف كربك، وتزول كربتك كما كان نبيك – صلى الله عليه وسلم – إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول: ((أرحنا بالصلاة يا بلال)). وقال ثابت البناني: "وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة".
أيها المؤمن: تأمل كما أن الله قد أخذ منك وابتلاك فقد منحك الكثير من النعم وحفظ لك أنواعا من الخير والأمور التي تجلب لك السرور والحبور وأعظم ذلك الإيمان والهدى ومعرفة الحق واتباعه فاحمد الله على ذلك وحافظ عليه.
أخي المؤمن: أنت تملك بإذن الله القوة والقدرة والثبات والشجاعة على تجاوز هذه المصيبة والمضي قدما في بذل الخير وفعل الطاعات وتكثير الحسنات فلا تقعد عن ذلك ولا يغلبك اليأس والقنوط ولا تسوف فإن العمر قصير.
أخي المؤمن: إن أعظم ما يكشف الهم عنك، ويزيل الغم من روحك، ويجعلك منشرح الصدر بذل الخير لأهل الحاجات، ورفع البلاء عن المتضررين، وإدخال السرور عليهم، ومد يد الرحمة والإحسان للبؤساء؛ كما كان رسولك – صلى الله عليه وسلم – حريصا كل الحرص على فعل ذلك.
أيها المؤمن: إلى الأمام ننتظر عطائك وبذلك ومسابقتك في الخيرات وسيرك إلى العلياء وثباتك حتى تلقى ربك وتفوز برضاه والملتقى الجنة عند محمد وصحبه.
منقوول
هذه الآية تكفينا
( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
جزاك الله خيرا