اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بشأن الأسرة وأسس تكوينها وأسباب دوام ترابطها، وأدائها لوظيفتها على خير وجه.. فما ترك القرآن الكريم والسنة الشريفة صغيرةً ولا كبيرةً يكون فيها سعادةُ الأسرة واستقرارُها إلا وكان لهما فيه بيانٌ، وقد ركَّز الاسلام على وضع الأسرة كلها في بوتقة واحدة تنصهر فيها الأثرة والأنانية حتى تذوب صفاتُ الغلبة والقسوة والإهمال والتباعد، فتهدأ النفوس وتعلو قيم الحب والود والدفء الأسري.
ومن ضمن هذه القواعد التي شرعها الإسلام قوانين الجانب المادي وحث الرجال على الإنفاق، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبته، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك" (رواه مسلم).
فالرجل الكريم هو الذي تسخو يده على أهله فلا يتركهم ينظرون إلى ما عند الناس من جيران وأقارب ما دام يستطيع- بدون مشقة- أن يكفيَهم مطالبَهم في غير إسراف أو تبذير، وجاء في الحديث الصحيح: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول" وزوجته ممن يعول، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "خير الصدقة ما كان منها عن ظهر غنًى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" قيل من أعول يا رسول الله؟ قال: "امرأتك ممن تعول، تقول: أطعمني وإلا فارقني، وجاريتك تقول: أطعمني واستعملني، وولدك يقول إلى من تتركني؟" (رواه أحمد والشيخان).
والرجل هو المسئول عن الكسب والإنفاق عن المنزل.. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34)، فالقوامة هي تحمُّل المسئولية، وأن يكفي الرجل زوجتَه وأولادَه مؤنةَ الحياة.. قال تعالى: ﴿لْيُنْفِقْ ذُوْ سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (الطلاق: 7)، وكان من وصايا الرسول- صلى الله عليه وسلم- الزوج لزوجته: أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (رواه مسلم).
كذلك على المرأة مسئوليةُ شئون البيت، ومنها الشئون المادية، فقد وصَّى النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة ابنته وزوجَها عليًّا- رضي الله عنهما- بأن على عليٍّ توفير النفقة وعلى فاطمة شئون المنزل، ويقول- صلى الله عليه وسلم-: "والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها"، ومن صفات الزوجة الصالحة كما بيَّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تحفظه في ماله، وبالرغم من ذلك الإنفاق عرفًا والذي يقره الإسلام من حيث توزيع المسئوليات إلا أنه أحيانًا يقع اختلافٌ بين الزوجين لأسباب مادية، مثل:
1- مال الزوجة: سواءٌ من عملها أو ميراثها، والحقيقة أن هذا المال ما يزال يقع بين الحق والمعروف، وعلى الزوجة أن تقدِّر الأمور بقدرها، وأن تقف بجواره عندما تضيق به الحياة، وعلى الزوج أن يستعفف.
2- البخل: إن كان الزوج بخيلاً والحقيقة أن الإسلام جعلنا أمةً وسطًا، فقد ذمَّ الله الإنسان البخيل وتوعده بالتعسير عليه وتضييق عيشه ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ (الليل: 8- 10)، ويُعرِّف العلماء البخل بأنه ترك الإنفاق الواجب، وبيَّنوا أن الإنفاق الواجب شقَّان هما الزكاة ونفقة الزوجة والأولاد، وقد نفى رسولُ الله أن تجتمع هذه الخصلة مع إيمان الرجل فقال: "خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق" (رواه الترمذي)، ويقول أيضًا: "ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا" (رواه النسائي)، والمرأة غالبًا ما تستاء جدًّا من الرجل البخيل حتى قد تكرهه بسبب هذه الصفة.
3- الإسراف: وقد تكون المشاكل بسبب إسراف أحد الطرفين ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيْرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِيْنَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِيْنِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوْرًا﴾ (الإسراء: 26- 27)، والفرق بين الإسراف والتبذير أن الإسراف تجاوُزُ الحد في الحلال، والتبذير هو الإنفاق في الحرام ولو كان درهمًا واحدًا، والإسراف يؤدي إلى الإفلاس سريعًا وعدم وضع أمور أساسية محلَّ الاعتبار، فتزهق أموال في أمور تافهة، وأمور أخرى كبيرة قد نجد لها المال الكافي مع أنها من الضروريات، والمطلوب هو الوسطية؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُوْلَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوْمًا مَحْسُورًا﴾ (الإسراء: 29)، كما جعلها سبحانه وتعالى من صفات المؤمنين:﴿وَالَّذِيْنَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان: 67).
4- عدم ترتيب الأولويات: والأولويات تختلف من أسرة إلى أخرى، فلكل أسرة أولوياتُها الخاصة بها والتي تتفق مع ظروفها، فقد تكون ما هي كمالياتٌ وتحسيناتٌ عند أسرة تُعتبر من الأمور الضرورية عـند أسـرةٍ أخرى، وهكذا.
ولذلك على كل أسرة أن تضع أولوياتها في ضوء إمكانياتها وضرورياتها دون النظر أو التقليد لغيرها من الأسر، والمال نعمةٌ من الله تبارك وتعالى، وهو من ضمن أسباب السعادة لو تم التعامل معه بطريقـةٍ إسلاميةٍ صحيحةٍ من سعي وإنفاق، وبه تستطيع الأسرة أن تعيش في راحة، وعدم تقيدها بديون واستيفاء معظم الاحتياجات بل والتهادي، وخاصةً من زوج لزوجته أو الأولاد، وبالمال يستطيع الإنسان أن ينفق في سبيل الله كثيرًا.. قال- صلى الله عليه وسلم-: "ما نقص مال من صدقة" (رواه البخاري).
كما تستطيع الأسرة أن تقوم بأعمال خيرٍ كثيرةٍ عن طريق المال، مثل صلة الأرحام، والسعي على الأرامل والمحتاجين وطلاب العلم، فضلاً عن الصدقة والزكاة؛ ولكي تُستكمل صورة السعادة الأسرية بوجود المال فلا بد من نقاط عدة:
– أن يكون مصدره حلالاً.
– التوازن بين الإسراف والبخل.. أي الوسطية.
– الحوار الدائم والشورى بين الزوج والزوجة ثم مع الأولاد.
– شكر الله كثيرًا والاستغفار والدعاء بالبركة.
حلو قوي الموضوع :clap: انا اول مره اشارك في المنتدى ولفت انتباهي جدا موضوعك
اي الموضوعات اللي بتهتم بشؤن الاسره وخصوصا لو بتجاوب على الاسئله واحد متخصصه
وياريت تشاركي دايما بالمشاركات الجميله دي
:salam: تحياتي :shy: