وعن المرحلة الأولى وهي قبل الخلاف: يجب أن نضع نقاطاً يتفق عليها الزوجان تكون علاجاً قبل أن يصل الأمر إلى الخلاف.
من وجهة نظري هناك ثماني نقاط لو اتضحت والتزم بها الزوجان فإنها ستحد بشكل كبير من الوصول إلى الخلاف، وهذه النقاط هي:
1- حسن الظن: ليس كل فعل يقوم به الإنسان- وبالذات بين الزوجين- على الطرف الآخر أن يؤوله بأنه أراد به كذا وكذا، حتى في أشد حالات الغضب، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم خير مثال، فقد روى الإمام مسلم أن عائشة رضي الله عنها غضبت، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لك جاءك شيطانك؟ فقالت: وما لك شيطان؟ قال: بل، ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بالخير.
لم يكبر الرسول صلى الله عليه وسلم الموضوع، ولم يؤوله بسوء ظن، ولم يصعّد المسألة بينهما، وإنما تعامل مع سؤالها على أنه سؤال حقيقي، وأجاب إجابة حقيقية، فحسن الظن هنا جعل الزوجين يتجاوزان خلافاً محتملاً، ولم يدع للشيطان الفرصة كي يلعب في أذهان الزوجين، فلابد من حسن الظن كحائط صد أو يحول دون الخلاف.
2- الصراحة:
وهذه نقطة مهمة أيضاً، وغالبا ما يكون عدم الصراحة سبباً في تعاظم مشكلة كانت صغيرة ويمكن إنهاؤها من البداية، فحين يجد أحد الزوجين أمراً ما لم يعجبه أو لم يفهمه، فعليه المبادرة بمصارحة الطرف الآخر حوله حتى تتضح الصورة، ويزول اللبس.
3- تقدير الأمور بقدرها:
وهذا له شقان: الأول: عدم تكبير المشكلة وإعطائها أكبر من حجمها، فكثيراً ما رأينا مشاكل تافهة نتج عنها نتائج عظيمة.
أما الثاني: عدم ربط المشكلات ببعضها، فلو حصلت مشكلة بين زوج وزوجته في أمر من الأمور، ثم انتهت هذه المشكلة واستمرت الحياة، ثم حدثت بعد ذلك مشكلة أخرى، لا داعي حينها لاستحضار المشكلة القديمة لتكبير حجم المشكلة الجديدة، وإنما يتم تقدير المشكلة الجديدة بقدرها، وتعالم بمثل قدرها، وأن نقدر الأمور بقدرها.
4- الحفاظ على أسرار البيت: كثيراً ما يكون سبب الخلاف هو قيام أحد الزوجين بإفشاء أسرار حياتهما الزوجية، أو كثرة الحديث عن دواخلهما.
وبتر مثل هذا الحديث من أساسه كفيل باجتناب خلافات كثيرة ما كانت لتنشأ لو حفظ الزوجان أحداث حياتهما بينهما.
5- تغليب حالة الأريحية والانشراح:
حين يكون الأصل دائماً حالة انشراح الصدر والأريحية في التعامل في الحياة العادية تصبح الأمور أقل ضرراً حين يقترب الخلاف، ويكون التحكم في الأعصاب أسهل حيث يكون الإنسان منشرح الصدر ومستعداً للراحة وليس والخلاف.
6- الحوار الدائم والتشاور: إن الله سبحانه وتعالى ذكر في مسألة فطام الطفل أن الأمر بين الزوجين يكون عن تراضٍ وتشاور.
قال الله تعالى: " فإن أراد فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما".
فإذا كان الله عز وجل يوجهنا إلى مسألة التشاور والتراضي بين الزوجين في مسألة الفطام وهي مسألة صغيرة، أليس من الأولى أن يكون الحوار الدائم والتشاور هو منهج الحياة بين الزوجين؟
وهذا المنهج منهج حياة يتعدى كثيراً نقاط الخلاف، ويجعل تجاوزها سهلاً ميسراً.
7- الاستفادة من أوقات الفراغ في تعميق العلاقة الزوجية:
كثيراً ما يكون الزوجان منهمكين في حياتهما وفي أمورهما، ولم يهتما كثيراً بتعميق العلاقة بينهما، ولو استطاع الزوجان الاستفادة من أوقات فراغهما مهما كانت قليلة في تنقية العلاقة وتصفيتها وتعميقها بينهما لاستطاعا أن يغلقا باباً واسعاً من أبواب الخلاف.
8- الاعتناء بما يسمى بالثقافة الزوجية: الثقافة في كيفية التعامل، كيفية مراعاة الطرف الآخر، احترام الطرف الآخر، أسلوب النقاش، آداب الحوار، كيفية إدارة النقاش، الخلاف، كيفية إدارة الأسرة، كيفية التعاون في تربية الأولاد، وما إلى ذلك من موضوعات.
هذه الثقافة يفتقدها عادة أكثر من 90% من المتزوجين، وهم يفتقدون هذا لأنهم يظنون أنهم أكبر من أن يقرؤوا أو يتثقفوا فيها، مع أنه في الواقع من المهم جداً أن يكون لدى الزوجين ثقافة في مثل هذه الأمور.
وهذه نقاط يجب مراعاتها حتى لا يقع الزوجان في الخلاف
الفرحة: ما الذي يجب على الزوجين أثناء الخلاف؟
د.المصري: بعد كل ما سبق إذا حدث الخلاف فليكن حينها خلافاً راقياً، خلافاً يستوفي آداباً يرقى بها الزوجان إلى مصاف العقلاء، خلافاً ليس جنوناً، ولا فيه غضب زائد، ولا فيه تجاوز أو قلة أدب.
وكي يكون الخلاف خلافاً راقياً على كل طرف مراعاة النقاط الست التالية:
1- الحكم بطريقة صحيحة: وكي يحكم المرء حكماً صحيحاً عليه أن يضع نفسه مكان الطرف الآخر، وأن يقدر ظروفه وإمكانياته، ثم بعد ذلك يحكم عليه، هذه القضية الأولى، وهي أن يتساءل الإنسان دوماً حين الخلاف: لماذا الطرف الآخر قال كذا؟ ولماذا تصرف بهذه الطريقة؟ ما الظروف التي أدت به إلى هذا الفعل؟ لو استطاع الزوجان أن يفعلا هذا فعلاً سيقدر وقتها كل طرف وجهة نظر الآخر، وسيفهم أسباب ما وصل إليه، وهذا سيحد كثيراً من الخلاف.
2- الإمساك عن تأجيج الخصام:
حين تتقد شرارة الخصام على الطرفين أن يمسكا عن تأجيج الخصام، فيبدآن بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ويحرصان على ضبط النفس، وكظم الغيظ، والامتناع عن الوصول إلى مرحلة الغضب الشديد.
3- أن لا يجر الخلاف إلى استدعاء خلافات سابقة:
وكأن الموقف تصفية حسابات، هذه النقطة مهمة جداً، وهي أن لا يجر الخلاف إلى استدعاء خلافات سابقة يُزج بها في حلبة الصراع، وإنما يُكتفى بالخلاف الموجود.
4- تقدير الخلاف بقدره في القلب: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت على غضبي". قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: " أأما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك.. رواه البخاري ومسلم.
هنا يكمن تقدير الخلاف بقدره، فالسيدة عائشة أخبرتنا بأن أقصى ما تفعله في قلبها حين الخلاف مع النبي صلى الله عليه وسلم هي أنها تهجر اسمه فقط، ولا يتعدى الأمر أكثر من ذلك.
على القلب إذن أن يكون منتبهاً لحجم المشكلة، وألا يترك لها المجال والمساحة لتكبر وتتجاوز.
5- تحري الزوجين ما يجري على ألسنتهما:
كاجتناب السباب والإهانة أو ما من شأنه تحقير الآخر وتسفيهه، فغالباً ما تنتهي كل الخلافات وتنتهي كل المشاكل ويبقى: أنتَ قلت لي كذا، أنتِ قلت لي كذا، أنتَ حقرتني بكذا، أنتِ أهنتني بكذا، فتبقى هذه الأشياء تنغص عليهما حياتهما.
إن الشتائم والسباب يجب أن لا تأتي على لسان الإنسان من الأساس، فالمسلم ليس طعاناً ولا لعاناً ولا فاحشاً بذيئاً، ومن باب أولى أن لا يكون هذا الأمر بين الزوجين.
6- استحضار "وإذا ما غضبوا هم يغفرون":
إن الله عز وجل لم يذم إنساناً لعدم تحليه بالحلم، ولم يمدحه لعدم غضبه، ولكنه في التعامل مع الغضب امتدح الذين يغفرون عند الغضب، فقال تعالى في وصف المؤمنين: " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون".
إن الغضب شعور من الصعب تجاوز وقوعه من الإنسان، لذلك لم يمتدح الله عز وجل غير الغاضبين، وإنما امتدح الذين إذا ما غضبوا هم يغفرون وأعلى من شأنهم، هذه المغفرة مهمة بين بني البشر، وتزداد أهميتها بين الزوجين.
بهذه النقاط يمكن للزوجين أن يقللا الخلافات إلى أكبر درجة ممكنة، وحين يقع الخلاف يمكن إدارته بطريقة تحفظ الزوجين والبيت والأسرة.
الله يعطيج العافية
على الموضوع الرائع
شكرا لك اختي العزيزة
وبارك الله فيك
وجعله الله في ميزان حسناتك ان شاء الله
دمتم سالمين
اختكم شريفة