لا شك أن التزام الأبوين هو المحك الحقيقي لما يدعوان إليه؛ فكلما ازداد التزام الأبوين بما يدعوان إليه الأبناء كلما كان لنصحهم المصداقية الكبرى والأثر العظيم. وقديماً قيل: فاقد الشيء لا يعطيه.
ومن أكبر المزالق التربوية التي يقع فيها الأبوان على وجه التحديد منافاة أفعالهم لما يدعون إليه، وهذه المنافاة والمناقضة تجعل الأبناء في حيرة من أمرهم: كيف نلتزم بما أمرنا به وأمنا وأبونا لا يلتزمان؟
إن مثل هذه الملابسات تجعل الأبناء في شك من صدق ما يدعو إليه الآباء. فلو كان الخير في تلك الدعوة إذن لماذا لا يبدأ الآباء بأنفسهم فيصلحون أخوالهم بالدرجة الأولى ثم يثنّون على الأبناء؟
ولقد اهتم سلفنا الصالح بضرورة مطابقة أفعالهم لما يدعون إليه الأبناء، فكانوا نماذج مشرقة في التربية الصالحة.
هذا إبراهيم بن وكيع يقول: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى جارية لنا سوداء.
وهذا عبد الله بن طاووس يخبر عن أبيه طاووس بن كيسان اليماني -وهو أحد كبار تلامذة ابن عباس- قائلاً: كان أبي إذا سار إلى مكة سار شهراً وإذا رجع رجع في شهر. فقلت له في ذلك فقال بلغني أن الرجل إذا خرج في طاعة الله فهو في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله.
بل إن أروع الصور والشواهد تلك المنافسة وذلك السباق الذي حدث بين سعد بن خيثمة وابنه خيثمة على الجهاد في سبيل الله؛ ذلك أنه لما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين يوم بدر فأسرعوا قال خيثمة لابنه سعد: لو كان غير الجنة آثرتك به، فاقترعا فخرج سهم سعد فخرج واستشهد ببدر واستشهد أبوه يوم أحد.
كما أن العدل بين الأبناء ضرورة من ضرورات نجاح المهمة التربوية المنوط بأدائها الآباء والأمهات على أحسن وجه، وهي علامة بارزة من علامات نجاح القدوة في الحياة العملية.. وإن تجاوز هذه الركيزة الهامة وعدم إعطائها حقها من التطبيق يؤدي بلا شك إلى الحكم على عملية التربية بالفشل الذريع؛ ذلك أن الخلل في التربية يؤدي إلى الخلل في النتائج والثمرات.
وقد انتبه الإسلام إلى هذه القضية الحساسة والجوهرية حين أشار النبي صلى الله عليه وسلم بإشارات كثيرة إلى ضرورة المساواة بين الأبناء. فلقد روى ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رحم الله والداً أعان ولده على بره). وهذا يقتضي أن يعدل الآباء بين الأبناء كي يستطيعوا بعد ذلك أن يبروا آباءهم.
والظلم مرتعه وخيم ولا شك، ففي حديث آخر رواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اعدلوا بين أولادكم في العطية). وهذا مظهر من المظاهر التي تتجلى فيه صدق التزام العدالة بين الأبناء.
إن الإخفاق في تحقيق العدالة في معاملة الأبناء تعتبر صفة سلبية في الأبوين أو فيمن يتصف بهما، ولا بد من تدارك هذا النقص في الفهم وهذا الخطأ في السلوك حتى لا يتسبب هذا السلوك الخاطئ في التأثير السلبي على الطفل من أبويه أو من أحدهما.
إن علماء النفس يؤكدون أنه في حالة التمييز بين الأبناء فالخطأ هنا يكون خطأ شخصياً مرتبطاً بظروف معينة وميول شخصية خاصة بالوالدين فقط ولا تقرها عدالة الحب.
كذلك فإن تمييز أحد الأبناء بذكاء خاص أو تفوق دراسي ملحوظ لا ينبغي أن يكون سبباً لتمييزه في المعاملة عن بقية إخوانه لما في ذلك من نتائج خطيرة تنعكس على مشاعر الإخوة تجاه الأخ المتفوق، إذ تدب مشاعر الغيرة والحسد والكره في نفوسهم تجاه أخيهم وربما وصل أمر الغيرة من الأخ إلى الشعور بالحقد والكره.
وهذا ما أكده العالم النفسي الأمريكي جاك بريد إذ يقول: إن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الوالدان في حق الأبناء مقارنتهم ببعضهم، فالطفل إذا شعر بتفوق أخيه عليه فسوف يشعر بالهزيمة المريرة ومن ثم يختزن أحزانه وآلامه في عقله لتتحول هذه الأحزان بمرور الأيام إلى مركب نقص فيحقد الطفل على أشقائه وعلى المجتمع، ويميل للعزلة أحياناً وللبكاء والعدوان أحياناً، أخرى وتفسر الحالة الأخيرة علمياً بحالة الانفجار النفسي.
ثم يضيف قائلاً: عندما ينجح الطفل يجب أن يشجع فقط دون أن يقارن بغيره من الأطفال، أما إذا فشل فيجب أن نضع في اعتبارنا تفوقه في مجالات أخرى من مجالات الحياة، وبدلاً من أن نحطمه فلنساعده في دراسته ونوفر له سبل الترفيه المعقولة والمناسبة حتى يتمكن من استرداد ثقته بنفسه وإشباع حياته النفسية، وبالتالي ينطلق الطفل من قيود الشعور بالفشل إلى حياة العمل الجاد والكفاح المثمر.
ولا زالت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم ترشدنا إلى الأسلوب الأمثل في التعامل مع الأبناء ووجوب ترسيخ مبدأ العدالة الأبوية وعدم الميل مع الهوى على حساب إهدار حق من حقوق الأبناء.
وها هي السيدة الجليلة أسماء بنت عميس تحكي لنا سيرتها عن نموذج من نوع خاص لتلك العدالة المنشودة حين تحكم بالعدل بين ابنين لها غير أشقاء حكماً فيه الكثير من حسن التصرف وحسن البداهة وجميل الرعاية لأخوين من أم واحدة وأبوين مخلفين.
فلقد روى لنا الذهبي أن علياً بن أبي طالب تزوج من أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر فقال كلاً منهما: أبي خير من أبيك، فقال علي: يا أسماء اقضي بينهما، فقالت: ما رأيت شاباً خيراً من جعفر ولا كهلاً خيراً من أبي بكر، فقال علي: ما تركت لنا شيئاً ولو قلت غير هذا لمقتك، فقالت: والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار.
من موقع طريق الإسلام0
(l)جزاك الله خير على هالموضوع التربوي الجميل
ولا ننسى ان القدوة هي الاساس سواء كانت
الام او الاب او حتى المعلم وهو الاساس
اديب
شكرا لمرورك وتعقيبك،
ومهما كبر الانسان وتعلم لابد له من قدوة0