تَحَلَّم عَن الأدنِينَ واسْتَبِقْ وُدَّهُم **** وَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ الحِلْمَ حتى تَحَلَّما
الحلم : هو ضبط النفس و الطبع عند هيجان الغضب .
و قيل : هو ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذلك .
قال ابن حبان –رحمه الله- : الحلم منه ما يكون سجية و طبعًا , و منه ما يكون تجربة و تكلفًا , و منه ما يكون مركبًا منهما معًا , و أول الحلم : المعرفة , ثم التثبت , ثم العزم , ثم التصبر , ثم الصبر , ثم الرضا , ثم الصمت , و الإغضاء .. و ما الفضل إلا للمحسن لمن أساء , فأما من أحسن إلى المحسن , و حلُم عمن لم يؤذه فليس ذلك بحلم , و لا إحسان .
الواجب على العاقل إذا غضب و احتد أن يذكر حلم الله عنه , مع تواتر انتهاكه محرمه , و تعديه حرماته ثم يحلم على من أساء إليه , و لذلك قال محمد بن السعدي لابنه عروة لما ولي اليمن : إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض تحتك، ثم عظم خالقهما .
قال المارودي – رحمه الله – : الحلم من أشرف الأخلاق , و أحقها بذوي الألباب , لما فيه من سلامة العرض , و راحة الجسد , و اجتلاب الحمد .
من أسماء الله الحسنى (الحليم) .. قال الغزالي : الحليم هو الذي يشاهد معصية العصاة , ويرى مخالفة الأمر, ثم لا يستفزه غضب , ولا يعتريه غيظ , ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة و طيش .. كما قال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ..) سورة النحل :61
بين الحلم وكظم الغيظ , قال الغزالي : الحلم أفضل من كظم الغيظ ؛ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم , أي تكلف الحلم، ولا يحتاج إلى يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه , و يحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك صار اعتيادًا , فلا يهيجه الغيظ، و إن هاج فلا يكون في كظمه تعب، وهو الحلم الطبيعي، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل , و يكون ابتداؤه التحلم , و كظم الغيظ تكلفًا , و يعتاد ذلك حتى يصير خُلُقًا مكتسبًا.
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( التأني من الله , و العجلة من الشيطان , و ما أحدٌ أكثر معاذير من الله , و ما من شيء أحب إلى الله من الحلم )
قال لقمان الحيكم : ثلاثة لا يُعرفون إلا عند ثلاثة : لا يعرف الحليم إلا عند الغضب , ولا الشجاع إلا في الحرب ولا أخاك إلا عند حاجتك إليه .
قال معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه-: لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم .
قال ابن حبان – رحمه الله – : الحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام , وهو يشتمل على المعرفة , و الصبر والأناة , و التثبت , ومن يتصف به يكون عظيم الشأن , رفيع المكان محمود الأجر , مرضي الفعل , ومن أجمل نفاسته تسمى الله به فسمى حليمًا .
من فوائد الحلم :
– صفة تكسب المرء محبة الله و رضوانه .
– دليل كمال العقل , و سعة الصدر , و امتلاك النفس .
– صفة عظيمة من صفات الله عز و جل , و هي من صفات أوليائه أيضًا .
– تعمل على تآلف القلوب , و انتشار المحبة بين الناس .
– تُزيل البغض , و تمنع الحسد , و تميل القلوب .
– قليل من الخلق من يتصف به .
– يستحق صاحبها الدرجات العلى , و الجزاء الأوفى .
اللهم أغننا بالعلم, وزينا بالحلم, وأكرمنا بالتقوى وجملنا بالعافية ..
آمين
جزاك الله كل خير عزيزتي ما أجمل تلك الرسائل أسأل الله أن ينفع بها
بارك الله فيك