صعوبات التعلم متعددة ومتنوعة، كصعوبات الكتابة والقراءة والحساب والنطق والتخاطب والتذكر والتركيز وسرعة البديهة وصعوبات التأقلم، وأبرز انعكاساتها تنجلي في ارتفاع نسبة الرسوب المدرسي. كما أن بعض الإضطرابات الأخرى لها تأثير سلبي على مهارات التعلم والسلوكيات العلائقية كاضطراب الحركة المفرطة مع ضعف التركيز وكذا اضطراب التنسيق الحركي وعمه الأشكال.
كم هي كبيرة معاناة التلميذ على مستوى تقديره لذاته وجهوده كبيرة للإندماج، والتحدي أكبر لمتابعة مسار التكوين والتعلم وذلك بالتغلب على مختلف الصعوبات. رغم كل الجهود التي تبذلها المؤسسات التربوية لاحتواء صعوبات هؤلاء الأطفال، إلا أن في كثير من الأحيان تعجز كل الطرق لإدماجهم المستمر في النظام التعليمي، الأمر الذي يؤدي إلى طردهم أو تخليهم عن متابعة الدراسة؛ وهذا ما يضطر الأهل إلى إيجاد حلول مناسبة لوضعية المراهق بتشغيله داخل المؤسسة الأسرية أو مع أحد الأقارب، ولكن لا يزداد الأمر في كثير من الأحيان إلا تصعيدا، حيث يصبح المراهق متمردا على كل من حوله، مطالبا بالحصول على كل رغباته دون مراعاة لواقعه وظروف أسرته.
يرسخ الرسوب المدرسي الشعور بالدونية لدى المراهق ويكرس أحاسيس الغيرة والتذمر من تفوق إخوانه؛ فتنشب المنازعات والإستفزازات المتبادلة ليصبح المراهق الذي يعاني من بعض الصعوبات في خانة ذوي الإحتياجات الخاصة دون تقبل لذلك.
أما الآثار على الأبوين فتبدأ بردود فعل أولية متفاوتة بحسب درجة الوعي، فالبعض يميل إلى إنكار كل الصعوبات واعتبارها عابرة، وآخرون قد يشعرون بخيبة أمل ورفض التعاطي بطريقة واقعية مع حقيقة هذه الصعوبات؛ كما يشعر الأبوان بعبء مادي ومسؤولية تربوية مضاعفة لمساعدة ابنهم أو ابنتهم لإيجاد المؤسسة التربوية الخاصة الأنسب بحسب نوعية الخلل، كما يبلغ الضغط النفسي ذروته حين يصل الطفل سن المراهقة. أما بخصوص العلاقة بين الإخوة فغالبا ما يطبعها التوتر والمنافسة، كما أن الوصم الإجتماعي ونوعية العلاقات الأسرية قد تزيد الشعور بالحرج ويضيع جميع أفراد العائلة في جو مشحون بالتوتر والإنفعال.
يصل الإرهاق بالأبوين درجة المواجهة وترامي المسؤولية بسبب الشعور بالعجز لاحتواء الإشكاليات، حيث تكثرالخلافات الأسرية وتصبح الحياة صعوبة متجددة كل يوم، وحيرة وغالبا ما يصيرالإستسلام هو ملاذ الكثيرين. فالمراهق الذي يعاني من صعوبات التعلم، يتراجع على مستوى نضجه العاطفي والعلائقي مما يجعله عرضة للإبتزاز من طرف أقرانه، أو إقصاءه من محيطه الإجتماعي، وقد يتسبب ذلك في إحباطات تدمر جهوده للتأقلم، وقد تزج به في سلوكيات انحرافية لتحقيق ذاته في مجالات يجد فيها دعم بعض رفاق السوء لتوريطه في دوامة الخطأ.
تستفحل بعض الصعوبات حيث يفقد المصاب القدرة على استيعاب نوعية صعوبته وبالتالي يستحيل عليه تسخير إمكانياته الذهنية والنفسية لتجاوزها، وقد تتراجع كل مهاراته لدرجة التخلف المعرفي والسلوكي؛ في هذه الحالات يتفاقم حجم مسؤوليات القائمين على التربية ويضطرون للتواجد بصفة مستمرة إلى جانب المعني في كل سكناته وحركاته، وهذا بحد ذاته أمر يحد من اكتساب المراهق المصاب مهاراته للإستقلالية والإعتماد على نفسه.
أكثر الإنفعالات شيوعا القلق والشعور بالغيظ والغضب وهذا قد يخلق مواقف عنف متكررة وغير متوقعة، حيث تنفجر ردود فعل عصبية تجاه أفراد الأسرة أو غيرهم، بل قد تحتدم هذه المشاحنات بين الإخوة والأبوين والقائمين على تربية ورعاية الأطفال.
يعاني الإخوة من شعور الدونية أو محاولة تقليد سلوكيات الطفل المضطرب والتراجع سلوكيا وذهنيا، وتنامي حالات الإضطرابات السلوكية التي تتسم بالعنف والمواجهة خاصة بالمحيط المدرسي.
اضطرابات الشخصية لدى بعض الإخوة تبرز بشكل مضطرد في مراحل النمو الأولى وخاصة إذا كانوا أصغر سنا من الطفل المصاب، فعلى الوالدين رعاية الأبناء في بيئة متناغمة وحماية خصوصية كل طفل.
دور الجمعيات الخيرية والهيئات المتخصصة في علاج ورعاية الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم جوهري وأساسي للوقاية والتوعية بنوعية الإضطرابات ودعم جهود الآباء وتأطيرهم علميا واجتماعيا، وخاصة إنشاء مؤسسات للعناية بكل أنواع الصعوبات وتهيئة الآليات المناسبة لأداء هذه المهمة النبيلة.
أهمية نشر الوعي بين أفراد المجتمع بحقيقة صعوبات التعلم ووضع آليات متكاملة، يحول كل الإشكاليات إلى فرص ارتقائية للتعايش مع كل أشكال الإختلافات المجتمعية ونشر روح التكافل والتفهم الإنساني، فتصبح الأسرة نواة مصغرة لواقع الحياة العلائقية.
المصدر: البروفسور أحمد الإمام- مركز التعلم المتميز لتنمية القدرات– دبي والعين