تبدو الغيرة بين الأشقاء والشقيقات محاطة بالألفة والود والنزاع أحياناً، وغالباً تخلق في الحياة الأسرية مشاكل طارئة مما يستدعي تدخل الأهل مباشرة، وللأهل دور كبير في تأجيج هذه المشاعر بين الأبناء حينما يفضلون بعضهم أو يمتدحون أحدهم دون الآخرين، ومهما كانت ايجابيات الغيرة بين الأشقاء تظل دائماً عبئاً على الأهل مما يجعلهم يضطرون لإخمادها بعدما ساهموا في إثارتها لكي لا تشكل حالة سلبية في البيت.
وتقول خلود عقيل (16 سنة) تربطني بأخواتي علاقات من الود والتآلف ولا أشعر بوجود الغيرة بيننا، بل على العكس لأن أخواتي يفرحن دائماً عندما أنال قسطاً كبيراً من الدلال من قبل والدي ووالدتي لأنني البنت الصغرى في المنزل، وجميع أخواتي يتعاملن معي بطريقة أبي وأمي، فيشترين لي ما يلزمني من ملابس أحياناً ويحرصن على مفاجأتي بأجمل الهدايا يوم عيد ميلادي، وأشعر بأنهن صديقات حقيقيات لي، ولا وجود للغيرة بيننا إطلاقاً.
وتبرر خلود أسباب هدوء بيتهم مؤكدة أن جميع أخواتها وأخوتها ينالون قسطاً وافراً من محبة وتقدير الأهل، ودائماً يلبي الأب احتياجات الجميع فيصبح أمر تقديرها كابنة صغرى خاضعاً لعمرها الصغير، وتضيف: “أعتقد أن أسلوب تعامل أهلي معنا جميعاً من أهم أسباب ابتعاد الغيرة عن بيتنا”.
أما شقيقتها كناز عقيل (17 سنة) فتقول: “الغيرة بين الأخوات أمر طبيعي ونابع من الغريزة العفوية، لكنها تصبح مشكلة حينما تزداد وتترسخ، وأنا لا أشعر بالغيرة من شقيقاتي، إلا في حالات نادرة ومواقف صغيرة عندما تمتدح والدتي احداهن أمام ضيوفها وتركز على نجاحها وذكائها ومحاسنها، ولا تتحدث عني بذات الطريقة، لكن هذه المواقف عادية وبسيطة ولا تتطور بشكل عميق، لكنني شعرت بغيرة أختي الكبرى من العلاقة القوية التي تربطني مع شقيقتي الصغيرة (خلود)، خاصة أننا نذهب معاً إلى زيارة الصديقات وإلى السوق لشراء لوازمنا، وبعد أن لفتت والدتي انتباهي إلى أهمية هذا التصرف، ووجهتني نحو طريقة التعامل الصحيحة مع أختي، صرنا نطلب منها أن ترافقنا إلى الأماكن التي نزورها لنشعرها باهتمامنا العميق بها من دون أن نجعلها تشعر بدوافعنا أو بتوجيهات أمي لنا، وأعتقد أن أختي تخلصت الآن من شعور الغيرة، بعدما كانت في السابق تدخل غرفتها وتبكي بصمت، وتراها والدتي فتكتشف الأسباب من خلال خبرتها بالحياة”.
وحول تأثرها بنجاح أشقائها وشقيقاتها، أو محبة الأقرباء لبعضهم واستثناء البعض، توضح كناز أنها لا تستطيع تحديد مشاعر الآخرين، وغالباً يتعلق العم مثلاً بإحدى الأخوات ويناديها حينما تبدأ زيارته مباشرة بينما ينسى أخرى أو كل الأخوات، والعكس يحدث مع العم الثاني.
وتضيف: أعتبر هذه المشاعر طارئة ومتغيرة ويجب ألا تثير غيرتي من شقيقاتي، ولكني أشعر بالضيق أحياناً، ثم تتغير حالتي النفسية بسرعة حينما أجد أن محبة أبي وأمي موزعة علينا جميعاً.
الشجار مع الأخت: حنان شروف (26 سنة) تروي قصتها مع الغيرة موضحة أنها تتشاجر مع أختها الكبرى بسبب شعورها بالغيرة منها لعملهما معاً في صالون تجميل واحد.
وتضيف: “خضعت أنا وأختي إلى دورة مكثفة حول فن التجميل، وتخرجنا من المعهد نفسه بدرجة ممتازة، لكننا عندما بدأنا العمل في الصالون الذي افتتحناه مؤخراً بدأت المشاجرات اليومية بيننا بعد فترة قصيرة بسبب استياء أختي من رغبة الزبائن بأن أقوم أنا بتنفيذ الموديل أو القصة، ولا أعرف كيف أتصرف عندما أتعرض لهذه المواقف، وأحاول إعطاءها قدراً كبيراً من ثقتها بنفسها حتى أبعد شعور الغيرة عنها لكني أفشل دائماً، وأراها حزينة ومكتئبة، وأحياناً تتحول إلى إنسانة انفعالية بصورة واضحة، وأقف حائرة أمام الألم النفسي الذي أسببه لها من دون تعمد مسبق”.
وترى حنان أن أختها لا تفكر من منطلق مهني، ولا تحاول تقوية أسلوب عملها لكي تقنع السيدات بأنها جيدة.
وتضيف: أحياناً تقتنع أختي بأن نتائج نجاحي تنعكس على نجاح الصالون بشكل عام، وهو ملكنا الشخصي، وأحياناً تستغرب محبة السيدات لي، فأحاول توجيهها أولاً، ثم أبدأ بشرح مواصفاتها الجيدة الأخرى، كالهدوء والتريث والصدق، لأشعرها بأنها تملك صفات جيدة ومختلفة عن صفاتي المهنية”.
وتؤكد حنان أن دافع الغيرة يأتي من الشعور بالنقص، وتوضح قائلة: “هذا ما تؤكده الدراسات العلمية. وأرى أن إجادتي لعملي أوصلت أختي إلى الغيرة. وأنا لا أمتدح نفسي على الإطلاق وأوضح الأسباب المنطقية التي شكّلت عامل الغيرة عند أختي لأنني أرغب في مساعدتها، فأنا أحب عملي بشدة وأشعر بمتعة بالغة عندما أجيده، بينما أختي تشكو وتتذمر أحياناً من الوقوف الدائم في الصالون، ومن مزاجية بعض النساء التي تحتاج، حسب رأي أختي، إلى الصبر والدبلوماسية، مما يجعلها لا تفضّل العمل في هذا المجال، لذلك تتعرض لمواقف تدفعها للغيرة، وأتمنى من كل فتاة تشعر بغيرة أختها منها أن تحاول مساعدتها وإخراجها من هذه الحالة المحزنة”.
تجريب الغيرة: أما منال جمول (24 سنة) التي تعمل في شركة أدوية، فتقول: “الأهل يشكلون أهم اسباب الغيرة، ويساهمون في إيصال الأبناء إلى هذا الشعور عندما يتعاملون معهم بطريقة غير صحيحة، ويفضلون أحدهم على الآخر، فيجيرّون دائماً الأفعال الحسنة والصفات الإيجابية للابن المتميز أو المتفوق، وينهالون بالملاحظات والانتقادات الجارحة على الابن الأقل تميزاً في عمله أو دراسته”.
وتتابع: لا أعتمد في كلامي على ما أسمعه من الناس بل على تجربة حقيقية عايشتها ولمستها بنفسي وتركت في داخلي ألماً نفسياً عميقاً، لا أستطيع نسيانه عندما تعرضت إحدى صديقاتي لمرض مجهول المصدر بسبب غيرتها الشديدة من شقيقتها لأن الأهل يفضلون أختها عليها دائماً، ويشيرون إلى تفوقها في الدراسة وجمالها، بينما صديقتي تتعرض أمام الناس للنقد القاسي والوصف بالغباء والكسل، وفي اللحظات الأخيرة تم إنقاذ صديقتي من المرض النفسي بعد أن اكتشف أهلها الذنب الكبير الذي اقترفوه تجاهها، وصاروا يتعاملون معها بطريقة مختلفة ويشجعونها على الاستمرار في دراستها حتى استطاعت النجاح بتفوق وتجاوزت الأزمة بعد فترة وجيزة”.
طريقة التعامل: ولكن كيف تفكر الأمهات بأضرار الغيرة وطرق تفاديها وإبعادها عن الأسرة؟.. إلهام باكير صاحبة صالة للفنون التشكيلية قالت: “طريقة تعاملي مبنية على الصداقة والتفاهم دائماً، لكن سلوك واحد من الأبناء أو البنات أحياناً، واهتمامه بنفسه وثقافته ومظهره الخارجي يدفع الأهل حتماً إلى التعلق به أكثر من بقية الأبناء، فيعلنون أمام الآخرين إعجابهم الشديد بما يحققه، ويتفاخرون به دائماً، وهذا يرتبط حتماً بغريزة الأهل الذين يفرحون عندما يكون أبناؤهم على سوية عالية من السلوك والخلق الجيد والشكل الجميل والثقافة العالية، لكن دور الأهل يجب أن يقترن بالوعي والنضج وعدم فرض أي نوع من السلوكيات على أبنائهم من خلال المقارنة بينهم لأن هذه التصرفات تعمق شعور الغيرة وتؤدي إلى وجود عقدة نفسية في المستقبل”.
وتوضح إلهام مواقف الغيرة التي لمستها من خلال تعمقها في مراقبة بناتها: “مواقف كثيرة تعرضت لها واستطعت السيطرة عليها بحكمة ووعي كاملين أثناء تعاملي مع بناتي دون أن أعمق الغيرة بينهن، فابنتي الكبرى تهتم دائماً بمظهرها الخارجي ولياقتها الجسدية، وتحافظ على جمالها من خلال اتباع نظام غذائي محدد وممارسة الرياضة، لكن الوسطى تهمل نفسها بشكل مبالغ به، وهذا الأمر يزعجني بشدة، لكني حاولت منذ البداية أن أتحاور معها بشكل هادئ حول هذا الجانب المهم بالنسبة إليها كفتاة معاصرة دون مقارنتها بشقيقتها بالطبع، ثم تركت لها حرية التصرف، ولا أعرف في الحقيقة إذا كانت تشعر بالغيرة من أختها، وأعتقد أنني عالجت الأمر بحكمة وعقلانية، وأتمنى من الأهل أن ينتبهوا إلى موضوع التفرقة بين الأبناء وإثارة الغيرة عند مدح أحدهم وذم الآخر، فيجب معالجة هذه الأمور الحساسة جداً بوعي دائم”.
منقوووول
على الموضوع الممتع
مشكوورة 🙂
شكررررررررررا
الله يسلمج ويسلمو على المرور ،،
دوم مدوخة
العفو
على الموضوع ، وعساج ع القوه
جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الهام الذي هو اساس في تربية الأبناء.
مشكوره على المرور ،،