شهر رمضان تكثر فيه أسباب المغفرة والغفران فمن أسباب المغفرة فيه:
1 – صيامه: قال رضي الله عنه : «من صام
رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق
عليه.
2 – وقيامه بصلاة التراويح والتهجد قال رضي الله عنه «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق
عليه.
3 – وقيام ليلة القدر وهي في العشر الأواخر من رمضان وهي الليلة
المباركة التي أنزل فيها القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم.
قال رضي الله
عنه «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم
من ذنبه» متفق عليه.
4 – وتفطير الصوام قال رضي الله عنه : «ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار»
رواه ابن خزيمة والبيهقي
وغيرهما.
5 – والتخفيف عن المملوك والخدم قال رضي الله عنه في حديث سلمان
المتقدم: «ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من
النار».
6 – وذكر الله تعالى وفي حديث مرفوع: «ذاكر
الله في رمضان مغفور له وسائل الله فيه لا يخيب» رواه
الطراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
7 – والاستغفار: طلب المغفرة
والدعاء في حال الصيام وعند الفطر وعند السحور ودعاء الصائم مستجاب في صيامه
وعند فطره، وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة قال
تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر من آية: 60] وفي الحديث: «ثلاثة لا
ترد دعوتهم» وذكر منهم «الصائم حتى يفطر» رواه
الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفي الحديث:
«إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» رواه ابن
ماجة.
فينبغي للمسلم أن يكثر من الذكر والدعاء والاستغفار في جميع الأوقات
وخصوصًا في رمضان في حال الصيام وعند الإفطار وعند السحور وقت النزول الإلهي آخر
الليل قال رضي الله عنه : «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل
ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من
يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه
مسلم.
8 – ومن أسباب المغفرة: استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا كما في
حديث أبي هريرة المتقدم رواه أحمد.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان
كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان، متى يغفر لمن لم يغفر له في هذا
الشهر؟ متى يقبل من رد في ليلة القدر؟ متى يصلح من لا يصلح في
رمضان؟.
كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان (اللهم قد أظلنا شهر رمضان
وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد
والقوة والنشاط وأعذنا فيه من الفتن) كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم
يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، كان من دعائهم (الله سلمني إلى رمضان وسلم لي
رمضان وتسلمه مني متقبلاً)([1]).
والاستغفار #
قال
الله تعالى: }قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر
آية: 53]. وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ
يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء
آية: 110]
وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ
عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ{ [سورة الشورى
آية: 25].
وقال
تعالى: }وَالَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ
بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة الأعراف آية: 153].
وقال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{
[سورة النور آية: 31].
وقال تعالى: }أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة المائدة آية:
74]
وقال تعالى:
}أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ
اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{ [سورة التوبة آية: 104]
وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا
إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ{ [سورة
التحريم آية: 8].
وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى{ [سورة طه آية:
82].
وقال تعالى:
}وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا
فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ{ [سورة آل
عمران آية: 136]. وقوله }ذْكُرُوا اللهَ{أي ذكروا عظمته وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه فطلبوا منه
المغفرة وعلموا أنه لا يغفر الذنوب إلا الله }وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا
فَعَلُوا{ من
المعاصي أي لم يقيموا على فعلها وهم يعلمون بتحريمها عليهم ومغفرة الله لمن تاب
منها وفي الحديث: «ما أصر من استغفر وإن عاد في
اليوم سبعين مرة» رواه أبو يعلى الموصلي وأبو داود
والترمذي والبزار في مسنده وحسنه ابن كثير في تفسيره جزء 1 ص
408.
وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم
1 –
«يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في
اليوم مائة مرة»
رواه مسلم، هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكنه صلى الله عليه وسلمكان عبدًا شكورًا
ومعلمًا حكيمًا ورءوفًا رحيمًا عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم
التسليم.
2 – وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «إن الله يبسط يده باليل ليتوب مسيء
النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه
مسلم.
3 – وقال عليه الصلاة والسلام: «من تاب
قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه» رواه مسلم،
فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، وكذلك لا تنفع التوبة إذا نزل بالإنسان
الموت قال تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى
إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ{ [سورة النساء من آية:
18].
4 – وقال عليه
الصلاة والسلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم
يغرغر» رواه الترمذي وحسنه. والغرغرة: بلوغ الروح
الحلقوم وهو من الأوقات التي لا تقبل فيها
التوبة.
فيجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب والسيئات في
جميع الأوقات قبل أن يفجأه الموت فيفوت الأوان ويندم ويتحسر على تفريطه، وليس أحد
يموت إلا ندم إن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد إحسانًا وإن كان مسيئًا ندم أن لا
يكون تاب واستغفر وأناب.
5 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له
من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبو
داود.
سئل الإمام الأوزاعي كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله أستغفر
الله ومعناها أطلب المغفرة من الله.
6 – وعن أنس رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله
تعالى: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن
آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو
أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة»
رواه الترمذي وحسنه.
عنان السماء: قيل: هو السحاب وقيل:
هو ما عن لك منها أي ظهر.
وقراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها، وفي الحديث
ثلاثة أسباب للمغفرة أحدها: الدعاء مع الرجاء، الثاني: الاستغفار وهو طلب المغفرة
من الله. الثالث: تحقيق التوحيد وتخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي،
والحديث من الدلائل على سعة رحمة الله ومغفرته وجوده وإحسانه
وكرمه.
®®®®
# شروط التوبة #
التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد
وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية
ويتركها.
والثاني: أن يندم ويتأسف على
فعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إلى مثلها
أبدًا.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح
توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة:
هذه
الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه وإن كان حد قذف
ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كان غيبة استحله منها ويجب أن يتوب إلى الله تعالى
من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه
الباقي وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة وتقدمت الأدلة
على ذلك([2]). فقد دعانا ربنا إلى التوبة والاستغفار ووعدنا أن يغفر لنا ويتوب
علينا ويرحمنا إذا تبنا إليه واستغفرنا وهو لا يخلف
الميعاد.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
([1])
انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 156 – 224.
([2])
انظر رياض الصالحين ص 12 و772 – 775.