قال ابن القيم رحمه الله : ومن تأمل أحوال الصحابة وجدهم في غاية العمل مع
غاية الخوف .
قال تعالى ( إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) .
وقال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )
ثم قال رحمه الله : والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف
ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن .
قال تعالى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ
سُوءَ الحِسَابِ ) .
فهذا الصّدِّيق يقول : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن .
وذكر عنه أنه كان يمسك لسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد .
وكان يبكي كثيراً ويقول : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا .
وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل .
وهذا عمر قرأ سورة الطور حتى بلغ ( إن عذاب ربك لواقع ) بكى واشتد بكاؤه
حتى مرض وعادوه .
وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء .
وهذا عثمان كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبتل لحيته .
وهذا علي اشتد بكاؤه وخوفه من اثنتين : طول الأمل واتباع الهوى .
وكان عبد الله بن عباس أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من الدموع .
وكان أبو ذر يقول : يا ليتني كنت شجرة تعضد وددت أني لم أخلق .
وقال ابن أبي مليْكة : أدركت ثلاثين من أصحاب النبى رضى الله عنهم كلهم خاف على
نفسه النفاق ما منهم أحد يقول : إنه على إيمان جبريل وميكائيل .
وقال الحسن : ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق .
وقال إبراهيم التيمي : ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً