تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الطفل الكذاب

الطفل الكذاب 2024.

الكذب::21_184:

– الطفل يكذب لأسباب عديدة … وغالباًً ما ترجع هذه الأسباب علي أنها جزءاًً لا يتجزأ من مراحل النمو التى يمر بها.

فإذا كنت تجلس مع أطفالك في حجرة المعيشة لقضاء الوقت معهم بعد عناء يوم طويل وشاق … ثم ذكرت أنك تلقيت مكالمة تليفونية اليوم من … وقبل أن تكمل باقى العبارة، وجدت أحدهما يقفز من مكانه مع ملاحظة تغيرات وجهه … ثم أخذ يعقب علي هذه الكلمات التى لم يتضح منها أى شئ قائلاًً "لم أكن أتوقع أنه سيتصل بك" ويسترسل في حديثه إلي أن تكتشف أن هناك مشكلة ما بينه وبين مدرسة أو مدرس، وتكتشف بأن طفلك لا يخبرك ببعض الحقائق وقد يلجأ إلي الكذب إلي جانب التخبئة. وفي هذه الحالة عندما يكذب الطفل لا يمكننا وصفه بذلك علي الإطلاق وإنما هو محاولة لإخفاء الحقيقة عن الآباء أو نوع من أنواع الصمت وليس الكذب وقد يلجأ الكبار إلي اتباع نفس الأسلوب في بعض الأحيان.

فعدم المشاركة هذه من جانب الطفل ليس بالسلوك الحميد لا تتيح له الحصول علي النصيحة السليمة كما أنها من الممكن أن تؤدى إلي توليد الضغوط التى تتراكم بمرور الأيام وتخلق لديه نوعاًً من الاضطرابات النفسية.

وهناك خط فاصل بين الكذب أيضاًً وبين التخيل لأن الطفل قصاص محترف من الممكن أن ينسج من خياله حكاية لا يكون لها صلة بالواقع ولم تحدث مطلقاً، لكن هذا الخط من الصعب تحديده أو وضع ضوابط له، لأن الخيالات دليل علي أن الصحة النفسية لهذا الطفل سليمة وأن خياله نشط بدون أى قصد من جانبه أن يقوم بالتضليل.

وعندما يكبر الطفل بعد سن 6 سنوات يتخذ من الكذب وسيلة لحماية نفسه من العقاب أو للتغلب علي أى شرط يضعه الآباء للحصول علي مطلبه أو الوصول لغايته كأن يضع الآباء شرطا لأبنائهم "عند الانتهاء من الواجبات يمكنكم اللعب مع الأصدقاء والذهاب للنادى" فلا مانع من كذبة بسيطة بأنه تم الانتهاء من الواجبات وإن كان ذلك لم يحدث بالفعل، علي الرغم أن ذلك سيعرضهم لضرر آخر وهو العقاب في المدرسة لكنهم لا يعون ذلك ويبحثون عن أى مخرج يجعل حياتهم أكثر سهولة.

ومهما تخبر طفلك عن مدى الضرر الذي سيلحق به سواء في سنه الصغير من فقده لأصدقائه، أو في مراحل متقدمة من عمره توقعه في كثير من المشاكل تهدم حياته أو تعرضه للفصل من عمله، فسوف يرد عليك هذا الرد المنطقي الذي لا تستطيع أن تمنع نفسك من الضحك عليه "لا يرغب أحد في سماع القصص المملة، وما أفعله من أجل أن أجعلها ممتعة

يلجأ الأطفال إلى الخيال لتكملة الصورة الذهنية لديه واعطائه صورة كاملة؛ بمعنى ان الطفل حين لا يدرك تفاصيل ما جرى امامه لسبب او لاخر يلجا عند الحديث عما شاهده الى خياله ليصف ما يرى .
ولكن الخطر هنا عندما يلجأ إلى الكذب خوفاً من ابيه او امه او معلمه هربا من العقاب وخاصة أن بعض الاطفال واسع الخيال ويتميز بحب الطرفة وخفة الظل فيروي احداثا لا تخلو من المبالغة مع ادراكه لذلك• ولأسلوب تعامل الأسرة مع الاطفال دور في دفع الطفل الى الكذب فالاسرة التي تتخذ من العقاب شعارا لها حتى على ابسط الاخطاء او الاخفاق في الحصول على درجات مرتفعة في الامتحانات لابد من ان تتوقع من طفلها الكذب خوفا من العقوبات كذلك الحال بالنسبة للاسرة التي تكثر من مكافآت ابنائها لحصولهم على درجات عالية في المدرسة او الظفر بشيء ما ينال استحسان الاسرة فالطفل الذي يخفق في المدرسة سيضطر الى الكذب او التزوير او فعل مغامرة قد تكون ضارة ارضاء للوالدين والظفر بهدية ولا ننسي الأصدقاء او زملاء الدراسة او الاقارب فهم قدوة بالمحاكاة والتقليد ولا محال من مجاراتهم مما يعقد المشكلة وتصبح ذات شأن عندما يكذب الطفل ويكذب دون ان يصاحب كذبة شعور بالذنب او القلق وفي هذه الحالة لابد من تدخل الطبيب النفسي اذ ربما يكون الخلل في مفاهيم الصواب والخطأ او في نشاة الضمير الامر الذي قد يتطور الى ان يصبح الطفل ذا شخصية سيكوباثية .

تحقير الطفل :

ـ والعامل الآخر من العوامل النفسية التي تؤدي إلى تعوّد الطفل على الكذب إحساسه بالإهانة والتحقير. يجب على الآباء والأمهات حسب التعاليم الدينية والعلمية أن يحترموا شخصية الأطفال ، وهذا الموضوع أحد المسائل المهمة في البحوث التربوية. إن الأطفال الذين يهملون من قبل أفراد الأسرة ولا يحترمون من قبل الناس ، يسخرون بهم أو يخدعونهم تارة ، ويؤنبونهم بلا مبرر تارة أخرى ، وبصورة موجزة يسلك معهم بحيث يحس الأطفال بالحقارة ، ويدركون بان أفراد الأسرة يحتقرونهم ولا يحسبون لهم حساباً… هؤلاء يفكرون في الثأر لكرامتهم ، ولذلك تظهر فيهم صفات ذميمة بالتدريج فيقدمون على أعمال مضرة.

توجد الإنحرافات المكتسبة عقيب الإخفاقات ، والخدع والأحقاد وفي الغالب عقيب الضربات العاطفية التي تخدر الطفل ، هذا كله دون أن يقف الطفل على حقيقة ما وقع. واحياناً يكتسب الطفل سلوكاً جديداً وطبعاً ثانوياً ، قد يقضي على الطبع الأولى له.
تحول قلب الطفل على اثر الصدمات التي تؤلمه الى قلب مريض ومنكسر. إن الشخص المنحرف يزى نفسه قبل أي شخص صغيراً وحقيراً ، علم بذلك أم لم يعلم. وهكذا يكتسب الطفل أو المراهق الذي يتأثر لاحساسه بالحقارة عادات غريبة وسلوكاً جديداً… يمكن اعتبارها ردود الفعل لتلك الحالة النفسيةرد الفعل للحقارة :

إن الطفل الذي يقع موقع السخرية والاحتقار وتهتضم شخصيته ، يسعى لإظهار نفسه بأي طريقة كانت ، أن يعمل عملاً يلفت انظار اعضاء الأسرة .
والآخرين أحياناً إلى نفسه ، أن يدخلوه في حسابهم ، ويعترفوا بشخصيته… وهكذا يستغل الفرص المختلفة للوصول الى هدفه.
عندما يكون الوالدان مشغولين باكرام بعض الضيوف ، ويصرفان كل اهتمامها الى العناية بهم غافلين عن الطفل… يقدم الطفل على الأعمال غير الإعتيادية ، يطرق الباب بقوة ، يقلب إناء الفواكه ، ويبعثر الفواكه على الأرض ، يصيح بأعلى صوته ، يضرب أمه ، وبصورة موجزة يقوم بأعمال تجلب انتباه الوالدين والضيوف إليه. إن الطفل لا يقصد من هذه الأعمال غير جلب انتباه الأخرين ، انه يحتاج الى اظهار نفسه وابراز شخصيته ، يريد أن يقول : أنا أيضاً موجود ، انتبهوا لي ، إحسبوا لي حساباً.
الطفل يريد أن ينفذ الى قلوب الآخرين. وعندما لا يستجيب الوالدان لمتطلباته الطبيعية المتمثلة في احترام شخصيته ، يسلك طريقاً معوجاً ، وينفذ الى قلوب الآخرين بالفوضى والشغب والايذاء.

من الأعمال الخطيرة التي يقدم عليها أمثال هؤلاء الأطفال : الكذب. الطفل الذي لم يلاق احتراماً في الأسرة ولم يُعتن بشخصيته ، الطفل الذي يُهمل ويُحتقر ويعيش حياة ملؤها الحرمان والإخفاق ، تكون لذته العظمى إظهار شخصيته وجلب انتباه الآخرين. إنه لا يستطيع أن يجلب إهتمام الناس نحوه بالصدق وبيان الحقائق ، فيضطر إلى الكذب ، واختلاق قضايا مدهشة ، وكذبات تحير الأذهان لعدة دقائق ، وتبعث القلق والحيرة في أعضاء الأسرة… يتصنع الاضطراب والذهول فيصيح : إلتهمت النيران دار عمي ! سقطت أختي في الساحة القريبة من بيتنا تحت عجلات السيارة !

عندما يركض أعضاء الأسرة ـ رجالاً ونساءً ـ نحو الحادث وقد علاهم الإرتباك والإضطراب ، ينتعش الطفل الكذاب ، يتلذذ لأن كلامه أوجد هذا الاضطراب ، والإهتمام… إنه يفرح لأنه خدع أعضاء الأسرة وشفى قلبه مما كان يلاقيه منهم من احتقار وسخرية.
إن السلوك السيء للوالدين هو الذي يدعو الطفل إلى الكذب ، وإن الأعمال التافهة لهما هي التي تؤدي إلى هذا الانحراف.
يجب على الآباء والامهات الذين يرغبون في تربية أطفالهم على الإستقامة وتدريبهم على الصدق في الحديث أن يحترموا شخصيتهم منذ البداية بصورة معقولة ، ويحذروا من احتقارهم الذي يؤدي إلى إنحرافهم. عليهم أن يتذكروا نصيحة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله : « ولا يرهقه ولا يخرق به ».
إن الأطفال الذين يحسون بالحقارة والصّغار على أثر اهمال الآباء لهم قد يلجأون إلى الكذب لتدارك ذلك ويصابون بهذا الداء الخطير ، فيظلون يتجرعون المآسي والمشاكل ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تتجاوزهم الأضرار إلى الآخرين أيضاً.الخوف من العقوبة :

ـ والعامل الثالث من عوامل الكذب عند الأطفال هو الخوف من العقوبة. فعندما نسأل الطفل : أنت كسرت النافذة ؟ وعلم أن اعترافه يستلزم العقاب الشديد ، فإن غريزة صيانة الذات تدفعه الى أن يقول كذباً : لم أكسرها. إنه يجد نفسه ضعيفاً أمام صفعات الأم والأب ولحفظ نفسه لا يجد مفراً إلا بالإلتجاء إلى الكذب وإنكار كل شيء. وبديهي أنه كلما كانت العقوبة أشد ، كان إصرار الطفل على الكذب اكثر.
وكما أن الناس في الحكومات الإستبدادية يكثرون من الكذب خوفاً من العقوبات الشديدة والاعمال غير الإنسانية الصادرة من الحكام ، كذلك الأطفال في الأسر التي يشدّد الآباء والأمهات فيها العقوبة فان كذبهم يكثر.

إن علاج هذه الكذبات ينحصر في لين أولياء الأطفال في تربيتهم. فإن كان الآباء والامهات يربون أولادهم على أساس الحب والحنان ، وإن كانت الأسرة مثالاً للرأفة والعطف ، وإن كان الأولياء منصفين وعارفين بواجباتهم الشرعية في تربية الأطفال دون أن يلجأوا إلى العصا والضرب الذي يستوجب الدية ، فإن الأطفال إذا كسروا نافذة أو قاموا بمخالفة النظام لا يدفعهم ذلك إلى الكذب ولا ينشأون كذابين.

يلاحظ الطفل أن أباه أو أمه قد يغفل فيسكر النافذة ولا يحاسبه أحد على ذلك ، إنه يرى أخاه الأكبر لا يتعرض لعقوبة أو توبيخ عندما يسقط كأس من يده فيتحطم ، بينما يجد أنه إذا كسر النافذة أو سقط الكأس من يده يُعاقب بشدّة ويحاسب حساباً عسيراً ، فيأثر لكرامته ويلجأ الى الكذب للفرار من العقوبة.اسداء النصيحة للطفل :

_ عندما يتخلى الأبوان عن التشديد على الطفل ويعتبر انه مثلهما إنساناً يجب أن تصان كرامته ، ويصادف أنه يكسر النافذة في أثناء اللعب في الغرفة ، فسيبادران الى اسداء النصح له ويقولان له : الغرفة ليست محلا للعّب ، حاول أن لا تتكرر منك أمثال هذه الفعلة. بهذا الأسلوب يكون الطفل قد عوقب بمقدار خجله ، مضافاً إلى أنه لم يكذب… في حين أن من المحتمل أن لا يتكرر منه هذا العمل بعد ذلك.
هنا قد يتصور السادة المستمعون أننا نريد القول بأن الرقابة التربوية الصحيحة في الأسرة يجب أن تكون على درجة من الدقة بحيث يتربى الطفل على أن لا يكذب حتى مرة واحدة طيلة أيام عمره ، ومثل هذا قد يكون مستحيلاً بالنسبة الى الإنسان الاعتيادي. غير أن الغاية من بحثنا هذا هو أن ننبه الآباء والأمهات الذين يريدون تدريب الطفل على الصدق والاستقامة إلى ضرورة الإهتمام بواجباتهم الشرعية والعلمية في إرساء قواعد الأسرة منذ البداية على أساس الفضيلة والاستقامة حتى يكونوا بهذا الطريق قد أدوا ما عليهم تجاه اطفالهم.

وبعبارة أوضح فإن الكذب ـ سواء كان قليلاً أم كثيراً ـ يعد معصية عظيمة ، ولكن هناك فرق عظيم بين من تصدر منه كذبة أو عدة كذبات على أثر الغفلة أو بعض الظروف الحرجة في الحياة ، وبين من بين كيانه على أساس الكذب والخديعة ونشأ ( كذاباً ). إن الخطر العظيم والداء الوبيل يتوجه نحو الصنف الثاني ، إن هدف التربية الصحيحة هو أن لا ينشأ الأطفال وأن لا يضرب هذا الداء الفتاك بجذوره في أرواحهم.

هذا المسألة التربوية والنفسية تعرضت لها الروايات والاحاديث الإسلامية ويهتم لها العلماء المعاصرون أيضاً ، ولمزيد الاطلاع نعرض على المستمعين الكرام نماذج من كلا الصنفين.
1 ـ « قال ابن مسعود : قال النبي صلّى الله عليه وآله : « لايزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذباً ».
2 ـ عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : « قلت لأبي عبدالله ( ع ) : الكذاب هو الذي يكذب في الشيءٌ قال : لا ، ما من أحد إلا أن يكون ذلك منه ، ولكن المطبوع على الكذب »
3 ـ عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إن العبد ليكذب حتى يكتب من الكذابين » الكاذب والكذاب :

– يستفاد من هذه الاحاديث الثلاثة أن هناك فرقاً بين الكاذب والكذاب. الكاذب هو الذي تصدر منه كذبة أو كذبات على أثر الغفلة أو الحوادث المختلفة ، وجميع الناس قد يصدر منهم ذلك. أما الكذاب فهو تركز الكذب في مخه ، ونفذ هذا الداء الفتاك الى أعماقه.
أما العلماء المعاصرون فإنهم يشيرون إلى هذا المعنى أيضاً في كتبهم ، وها أنا ذا أقرأ لكم عبارة مقتبسة من أحدها.فن الخديعة :

« وهذا أمر بسيط وطبيعي جداً ، ذلك أن الأطفال يكذبون على أثر الضعف الذي يحسون به في مقابل الكبار دون أن يكون هناك انحراف أو تخطيط أو تفكير سابق. إنهم يكذبون ليصونوا أنفسهم من الحملات المباشرة التي يتنبأون لها ، فإن الكذب والخديعة يستلزمان تخطيطاً سابقاً ، وتفكيرا في تورط الآخرين ، ولا يكفي أن يكذب شخص في مورد ما مترسلا ونحكم عليه بالانحراف.
يتكامل علم الكذب ( أو فن الكذب على الأرجح ) بالممارسة والتدرب على الكذب. إذن نستنتج من ذلك أن جهود الوالدين أو القائمين على شؤون التربية يجب أن تنصرف إلى عدم فسح المجال للأطفال في التعلق بالكذب ، ويجب أن لا يكون سلوكنا على نحو يضطرهم الى الالتجاء إلى الكذب.
يجب أن نعرف الكاذب الحقيقي أولا ، أي يجب أن نميز بين من يكذب على أثر تطبعه على الحيلة والخديعة ، وبين من يكذب عفواً. إن الكاذب العفوي لأجل أن يتخلص من عقوبة العمل الذي عده ذنباً في نفسه يعمد الى أول كذبة تمر بخاطره وتجري على لسانه إنه لا يفكر في عواقب ذلك ، في حين أن صدقه الذاتي والطبيعي غالباً ما يخونه دون علم منه… الصوت الفاقد للتطامن ، والوجه المحمر ، والنظرات الزائغة ، كل ذلك علائم تفضح أمر مثل هذا الكاذب.

الحقيقة تعلن عن نفسها من خلال الكلمات التي يجريها على لسانه ، إنها تحرق شفتيه ، فلا يستطيع أن يلقي حجاباً ساتراً على الحقيقة التي تفصح عن واقعها. إن من السهولة بمكان أن نستكشف من مثل هذا الشخص أنه لم يصبح كذاباً بعد ، بل يستطيع أن يصنع بعض الكذبات المفضوحة ، غاية ما هناك أنه لكي يتقن هذا العمل ، ولكي يصبح ماهراً في فن الكذب ، يكفي أن يوضع في محيط فاسد أو يقابل مربيّاً دون مستوى المسؤولية ، لاجل أن ننقذ مثل هذا الطفل من الغرق والوقوع في هذه الهوة السحيقة يجب أن نوجه وجدانه نحو الصدق والشهامة ، وعندئذ لا يستطيع الكذب أن ينشر جذوره في نفسه ولا يصبح داً مزمناً عنده.
أما بالنسبة إلى الكذاب الأصيل فالأمر ليس كذلك. هذا الشخص الذي يمتهن التزوير والاحتيال وإن بدأ عمله بكذبات تافهة ومفضوحة لكنه استمر على ذلك فترة طويلة حتى أصبح الآن يكذب بسهولة ، يصور الباطل في لباس من الحقيقة ، وهنا يجب أن نهتم بالأمر. إنه لا يصدر عن الكذب بصورة عفوية بل يفكر ويخطط ويصمم لما يريد إطاراً جميلاً ، يغير في الموضوع كيف يشاء ، ويظهره بالمظهر الذي يريده من جمال أو قبح ، لأنه يعلم أنه إذا ألبس الباطل لباساً جميلاً من التبريرات والاحتيالات كان ذلك عاملاً مساعداً على عدم انفضاح سره .

يتبع

الكذابون الماهرون :

كان إخوة الصديق يوسف كذابين ماهرين. فإنهم عندما رموا به في البئر جاءوا الى ابيهم يبكون ، يذرفون الدموع الحارة ، وقد حملوا معهم ثوباً ملطخاً بالدم ، وهكذا كانوا قد صمموا للحادثة تصميماً مضبوطاً يخيل للناظر معه أن ذلك هو الحقيقة ، وأن الذئب هو الذي أكل يوسف. هذه الكذبات خطيرة جداً ، ولذلك فإن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله يستعمل كلمة ( الكذاب ) في حقهم :
« لا تلقنوا الكذاب فتكذَبوا. فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الانسان حتى لقنهم أبوهم .
ان الآباء والأمهات الذين يربون أطفالهم تربية صحيحة ويدربونهم على الصفات الفاضلة والسجايا الحميدة يستطيعون أن يقفوا أمام الزلات المحتملة لهم بالنصح والارشاد ، وبذلك يمنعونهم من التلوث ببعض الكذبات التي يمكن أن تلوث أذيالهم.
« عن أبي جعفر عليه السلام. قال : كان علي بن الحسين يقول لولده : اتقوا

الكذب ، الصغير منه والكبير ، في كل جد وهزل ، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير . المحيط التربوي :

ـ من أهم العوامل المؤثرة في تنمية فطرة الصدق عند الأطفال المحيط التربوي الذي يعيشون فيه ، فعندما يكون الوالدان ملتزمين بالصدق بعيدين عن الكذب والاحتيال ، فإن الطفل ينساق تلقائياً إلى طريق الصدق والاستقامة ، ومن السهل جداً إزالة العوائق التي تقف في طريقه من الناحية النفسية.
وعلى العكس من ذلك فإن الوالدين اللذين لا يتورعان عن الكذب يعودان الطفل على هذه الصفة الذميمة من حيث لا يشعران ، في أسرة كهذه يصبح الإهتمام بالظروف والعوامل النفسية للوقاية من الكذب عقيما. إن المحيط التربوي اهم العوامل الصانعة لكيان الطفل ، ولا يمكن مقايسة أي من العوامل النفسية به ، ذلك أن الطفل ينسجم مع المحيط الذي ينشأ فيه بصورة لا شعورية ، وتنطبع في ذهنه صور الأشياء التي يشاهدها أو يسمعها.

إن محيط الصدق والشهامة المطلقة أهم عوامل الكفاح ضد الكذب. فإذا كانت الاستقامة مسيطرة على جو الأسرة أو المدرسة لم يقترب الطفل من الكذب ، واذا صادف أن جرت كذبة على لسانه فإن التجارب تثبت أن هذه الكذبة لا تصل إلى حد الخيانة والاجرام ولا تبعث بجذورها في قلبه.
إن الضمائر الحية لهؤلاء الأحداث تشبه الأعشاب الربيعية في النعومة واللطافة ، فلأجل أن تلاقي تنمية مناسبة ومتكافئة يجب أن تبقى في مأمن من هبوب الرياح الشديدة والميول التي قد تدحرها الى الأبد ، ومن المؤسف أن نجد أن هذه الفسائل الغضة كثيراً ما تجابه بالرياح الهوجاء.
كثيراً ما يصادف وجود أخاديد واسعة بين أفعالنا ونصائحنا هناك بون شاسع بين ما يلاحظه الطفل في أفعالنا ويدركه من سلوكنا ، وبين الأوامر والنصائح التي نصدرها في تقبيح عمل معين وذمه.

قد اعتاد الكثيرون على أن يقولوا للأطفال : ( افعل ما أقوله لك ! لا تلتفت الى ما أفعل ) في حين أنهم يجهلون أن هذه النصيحة تستتبع مأساة عظيمة ، ان الطفل لا يخضع للنصيحة التي لا يعيرها الوالدان أهمية ما وعلى فرض أنه استطاع أن يتوصل من عمل الكبار الى أن السلوك المفضل للأطفال يختلف عن السلوك المفضل للكبار فإنه سيحطم تلك القيود في أول فرصة يدرك فيها الحرية ، ويخرج على تلك التعاليم التي وجهت اليه في صباه .
ان محيط الأسرةّ هو المدرسة الأولى للطفل ، وإن سلوك الوالدين يمكن أن يصبح مقياساً لازدهار الأسرة أو انحطاطها. ان امرأة أو رجلاً بغض النظر عن عنوان الأمومة أو الأبوة عندما تصدر منه كذبة يكون قد ارتكب معصية كبيرة واستحق بذلك عقوبة. أما عندما يكون هذا الرجل أباً أو عندما تكون المرأة أماً فإن الكذبة الصادرة منه أمام عيني الطفل النافذتين ، وأذنيه الواعيتين لا يمكن أن تعد ذنباً واحداً. ففي هذه الصورة يكون ذنب آخر غير ذنب الكذب قد ارتكب… ذلك هو ذنب التعويد على الكذب وهذا أعظم بكثير من الذنب الأول.

داء الكذب :

ان الأطفال أمانة الله عزّ وجل في أعناق الوالدين ، فهما إن قصرا في أداء واجبهما نحوهم كانا خائنين للأمانة. إن ما لا شك فيه هو أن الكذب احد الأمراض الإجتماعية الكبيرة ، ومن المؤسف أن أغلب الناس مصابون بهذا الداء الفتاك إن قليلاً أو كثيراً. هذا الخلق الذميم يوجب شقاء الدنيا وعذاب الآخرة. إن جميع الصفات الذميمة تعد أمراضاً نفسية من وجهة نظر العلم والدين ، ولكن الكذب أشدها.
ففي وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن : « وعلة الكذب أقبح علة
إن الكذب يزلزل الكيان الخلقي والاقتصادي والقانوني في المجتمع. لأن الشخص الكاذب يجعل الناس يسيء بعضهم الظن الى الآخر ، ويسلب الاعتماد منهم. إن الكذب يحرق جذور الفضيلة ويميت الروح الإنسانية.
« عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن أبي حدثني عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أقل الناس مروءة من كان كاذباً .
يتصور البعض أحياناً أن الكذب هو الوسيلة الوحيدة للنجاح ، في حين أن النبي ( ص ) يفنّد هذا التصور ويعتبر هذا النوع من النجاح المزعوم فشلاً واخفاقاً. فقد قال صلّى الله عليه وآله : « إجتنبوا الكذب وان رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة »

وفي حديث آخر يقول الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام : « يا هشام ، ان العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه »

الصدق والنجاة :
ما اكثر الأفراد الذين التزموا الصدق في المواقع الحرجة والمآزق الشديدة وكان ذلك سبب خلاصهم .
لا يجهل أحد مدى الجرائم التي قام بها الحجاج بن يوسف الثقفي والدماء التي أراقها من غير حق. في يوم من الأيام جيء بجماعة من اصحاب عبد الرحمن مأسورين وكان قد صمم على قتلهم جميعاً. فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام :

ـ إن لي عليك حقاً ! فأنقذني وفاء لذلك الحق.
قال الحجاج : وما هوٌ
قال : كان عبد الرحمن يسبّك في بعض الأيام ، فقمت ودافعت عنك.
قال الحجاج : ألك شهود ؟
فقام أحد الأسرى وأيّد دعوى ذلك الرجل. فأطلقه الحجاج ، ثم التفت الى الشاهد وقال له : ولماذا لم تدافع عني في ذلك المجلس ؟!
أجاب الشاهد في أتم الصراحة : لأني كنت أكرهك.
فقال الحجاج : أطلقوا سراحه لصدقه .

_ كيف يمكن معرفة الكذب في قول وفعل الطفل؟

يمتلك الأبوين القدرة على معرفة صدق القول والفعل من عدمه، ويمكن الربط بين الأفعال والأقوال عند الطفل للوصول إلى معرفة حقيقة السلوك الذي يتبعه الطفل ولهذه القدرة التأثير المتفاعل في كشف تلك الفاعلية عند الطفل في قول الكذب ويمكن معرفة الأنماط السلوكية التي يكذب فيها الطفل من خلال التدقيق والملاحظة المستمرة للطفل ومعرفة صور العلاقات بينه وبين المحيطين به، ويمكن تدقيق الأقوال ومطابقتها مع الأفعال وتسجيل المتغيرات السلوكية وتثبيت الملاحظات عليها.ومتابعة التطابق بين ما يأتي به الطفل من فعل وقول وتدقيق ذلك عن طريق المتابعة أو الاستفسار دون علمه بتلك المتابعة.-
ما هي العوامل التي تعزز الكذب ؟

يتعزز الكذب عند الطفل ويصبح نمط سلوكي ثابت إذا وجد أن الآخرين اقتنعوا بما قال رغم انه يكذب، فتراه يكرر القول والفعل ويختلق أنماط أخرى وينتهج نفس المنهج للوصول إلى غاياته، وكذلك يمكن ان يتعزز الكذب ويأخذ أنماط أخرى إذا رفضنا الإصغاء إليه ورفضنا الدخول في مناقشة معه فيما يتعلق بحاجاته أو إذا تنافرت اتجاهات القبول والرفض عند العناصر المحيطة به. فتراه يأخذ على عاتقه التعبير بصيغ يقبلها طرف ويرفضها الطرف الآخر.و لا يقف الطفل عند حدود معينة من الكذب، بل تراه يوسع مساحة الأحداث التي يكذب بها، لأنه يرغب في لفت انتباه إليه من اكثر من جهة.
– كيف يمكن معالجة الكذب عند الطفل؟

تعد هذه المهمة من المهام الصعبة التي تقع على كاهل كل تربوي، لأنها تعني إعادة الطفل إلى المسار الصحيح في علاقته مع الآخرين، كما أنها توفر علينا فرصة معالجة آثار الكذب لاحقا.
– ويمكن معالجة الكذب عند الطفل من خلال:
1. التوجيه الديني في رفض الكذب وعدم تطابقه مع سمات المسلم الصالح على ضوء سمات الشخصيات المهمة في تـأريخنا الإسلامي وتراثنا العربي و أول تلك الشخصيات هي شخصية نبينا محمد (ص) الصادق الأمين.
2. استعراض الرفض لكل كذبة تمر في بيئته سواء كانت منه أو من غيره مع أهمية توضيح أضرار الكذب من خلال القصص التي يشعر الطفل إنها واقعية حتى وان كانت على لسان الحيوانات ونمنحه فرصة الترميز لكل قصة.
3. العمل على عدم الكذب أمامه مهما كانت الصيغة، مثال أن بعض الآباء يرفضون الرد على الهاتف بعذر انه غير موجود بالبيت، ويطلب من الطفل الرد على هذا الأساس ، فالطفل يشعر إن صدق القول والفعل عند والده قد انهار وتحول إلى صيغ مرفوضة ومع التكرار تراه يكرر العذر دون أن يشعر ويعمم الأسلوب على اكثر من حالة.
4. الكف عن إشعار الطفل إن كل ما يقوله خاضع للشك، لان ذلك يجعله يخشى التعبير الصحيح عن حاجاته أو يلجا إلى من يصدقه فيجد فضاء آخر للكذب يجعله يبتعد عن عائلته، وتخلق لديه حالة عزلة داخل المسكن.
5. تمثيل الصدق بالقول والفعل أمام الطفل ومكافئته على صدقه مع الإشارة إلى أن الصدق هو السبب في حصوله على هذه المكافأة.
ويبقى هاجس كل أب وأم ومربي هو معالجة كل حالة تعمل على عدم تفاعل الطفل مع العائلة والمجتمع، ولكل حالة حديث.[/color]

انتهى ،،،،،،،،،،،،،،،،،

موضوعك حلو اوي جزاك الله خيرا و ربنا يكفينا شر الكدب و الكدابين
يعطيكي الف عافية يارب فعلا مشكلة اغلب الاطفال يعانون منها
وان شالله الكل يستفيد من الموضوع جزاكي الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.