تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » المرأة الأرملة ومحاولة ترشيد الحزن

المرأة الأرملة ومحاولة ترشيد الحزن 2024.

  • بواسطة

المرأة الأرملة ومحاولة ترشيد الحزن:o
لا شك أن خوف الانسان من الحب والارتباط نابعاً من الخوف الأزلي من فقدان الحبيب بالموت وفي العلاقة الزوجية يحيا الطرفان حاضرهما ويخططا لمستقبلهما مع هذا الخوف المترقب من أن يترك أحد منهما الآخر بدون رجعه في وقت ما وفي أغلب الأحيان يكون الراحل هو "الرجل" وتعيش المرأة بعده ألم الموت ومرارة الفراق. وقبل أن أبدأ في مناقشة الترمل كحالة خاصة بالمرأة، لابد من تناول الخوف الناتج عن فقدان عزيز بالموت بصورة عامة وشرح مراحله النفسية بشيء من التفصيل.
والمعروف أن رد الفعل الطبيعي والمألوف عند حدوث الموت هو الصدمة التي سيعقبها الرفض وعدم التصديق الذي يظهر في عدم تقبل الخبر وإقناع النفس بأن هذا الحدث المروع ما هو إلا مجرد كابوس فظيع سوف يستيقظ الإنسان منه ليعود إليه الحبيب الذي فارقه بالموت مرة أخرى. ويشعر الإنسان في هذه المرحلة بألم نفسي عمي يأخذ نوبات من الاضطراب والتوتر النفسي الذي يبدو في صورة النواح والبكاء وأحياناً بالصراخ والولولة. وتتناوب فترات البكاء مع فترات يموت فيها الإحساس ويشعر الإنسان بأنه مخدر تماماً أو أنه غير قادر حتى على الحزن ويبدو هائماً على وجهه غير قادر على لاتركيز في أي من الأعمال أو ممارسة أي نشاط ما وإذا ما استطاع القيام بمهمة تكون بدون هدف معين أو معنى وكأنها بحث دائب عن شيء ضائع وهي محاولة الإنسان البائسة للبحث عن العزيز الذي تركه بالموت وقد يتخيل الحزين في هذه الظروف أو يشعر بأن من فقده ما زال على قيد الحياة فيرى وجهه في وجوه الآخرين، يظن سماع صوته يناديه أو يراه جالساً على مقعده المفضل وقد تشعر الأرملة بأن الزوج الميت ما زال أحياناً نائماً بجوارها على السرير. ورد الفعل الطبيعي لفقدان عزيز بالموت يظهر مباشرة وفي الحال تو حدوث الوفاة وفي أغلب الأحيان لا تتجا مدته فترة الستة أسابيع الأولى ولا شك أن ردود الفعل في حالات الموت تتفاوت حسب شخصية الانسان الذي يعاني هذا النوع من الفراق، وتعتمد حدة ونوعية رد الفعل على عوامل عدة منها درجة القرابة والاعتماد على الشخص المتوفى ومقدار الحب تجاهه والارتباط به بجانب عوامل أخرى تتعلق بكيفية الموت وظروفه وإذا ما كان مفاجئ أو متوقع. والأهم من كل ذلك هو نوعية تجارب الانسان الأولية في طفولته وإذا ما كان افتقد عزيزاً في المرحلة الأولى من عمره فقد دلت الأبحاث بأن فقدان أحد الوالدين بالموت ما قبل العاشرة من العمر يجعل الفرد عرضة لردود فعل مرضية حين تعرضه لفقدان عزيز آخر بالموت في مرحلة متقدمة من العمر.
ومما لا شك فيه أن الظروف الاجتماعية والمناخ الثقافي له دور هام في تحديد ماهية هذا الحزن وشدته وطريقة التعبير عنه وأيضاً الالتزام الذي يبدو في تفاوت مدة الحداد التي قد تطول لسنوات طوال. والطقوس التي تمارس في المجتمعات في ظروف الحداد تختلف من مجتمع لآخر وقد تكون فيها من الجوانب الصحية التي تسمح للإنسان في هذه الظروف بالتعبير عن الحزن في إطار من التعاطف والمساندة وقد يكون فيها من الضغوط التي تجعل من الحداد أسلوب حياة تمنع الإنسان من ممارسة حياته الطبيعية ولو بعد زمن من حدوث الوفاة.
ولابد من التفريق بين الحزن المطول والحداد المطول فكلاهما لا يعني نفس الشيء فكثيراً ما يطول الحداد بسبب الضغوط الاجتماعية التي يفرضها المجتمع على الشخص في هذه الظروف وأكثر مَن يعاني منها هي المرأة الأرملة. أما الحزن المتأخر فهو الحزن الذي لا يظهر في بادئ الأمر وأكثر الناس عرضة له هو من يبدو متماسكاً وشجاعاً وقادراً على تحمل الصدمة وقد يظهر بصورة المسؤول القادر على أخذ القرارات الضرورية الخاصة بالجنازة أو الوصية أو التركة وغير ذلك من الأمور التي كانت تتعلق بالميت وغالباً ما يلقي هذا الشخص بنفسه تماماً في أمور تخص عمله وكأن شيئاً لم يكن ويكبت تماماً مشاعره تجاه هذا الموت الذي حتماً سيظهر بعد مدد قد تطول لفترة سنوات وقد يأخذ الحزن عندئذ صور أخرى كالقلق أو التوتر النفسي أو الاكتئاب المرضي وليس غريباً أن يجد من حوله صعوبة في تفهم حدوث هذه الأعراض النفسية له أو ايجاد أي علاقة بينهما وبين تجربة فقدان هذا القريب أو العزيز التي حدثت منذ زمن بعيد.
ويستخدم الانسان العديد من الأساليب الدفاعية محاولة منه في التكيف مع ألم الفراق بالموت، وضمن هذه الأساليب هو "تأليه" الميت بمعنى الإصرار على ذكر جوانبه الحسنة فقط والإفراط في وصفه بالمثالية كما لو كان فوق البشر لم يصدر منه أي خطأ في حياته.
ومن الوسائل الدفاعية الأخرى أسلوب "التحنيط" وهو بلا شك معروف لدينا ويعني الحفاظ على كل شيء كما كان في حياة الفقيد من ملابسه وكتبه وطريقة ترتيب الأثاث التي كان يفضلها وفي نوع الطعام الذي يعد له كل يوم وغير ذلك من الأشياء بدون المساس بها لسنوات قد تطول وهذه الصورة طبيعية في بداية الأمر ومما لا شك فيه أنه طبيعي أيضاً الاحتفاظ بأشياء تتعلق بالميت لها ذكرياتها الغالية ولكن ما يصبح مرضياً وهو رفض تغيير أي شيء أو أي أمر من الأمور وتركها بحالتها تجاهلاً للموت نفسه وتجاهلاً للزمن وتغيراته فيقف الانسان الحزين بعد تجربة الموت في مكانه محنطاً وسط أشياء محنطة هي الأخرى. وقد يحدث العكس تماماً بمعنى التخلص من كل شيء يتعلق بالميت بسرعة كنوع من تجنب مواجهة الموت ومرارته والهرب من ألم الذكرى وهذه صورة مرضية قد تصل بالانسان الحزين لتجنب الكلام إطلاقاً عن الميت أو حتى ذكر إسمه في الحديث.

ومن الأساليب الأخرى المألوفة التشبه بالميت لدرجة تصل أحياناً إلى تقمص شخصيته ويشعر الانسان الحزين بأن من فقده ما زال يحيا في داخله وتستمر حياته من خلاله وهذا الأسلوب قد يكون صحياً ويساعد الشخص الحزين على تسخير حزنه لأعمال بناءة أو أمور كثيرة كان يهتم بها الميت. وقد يأخذ شكلاً مرضياص عندما يتحول الشخص الحزين لمجرد خيال للميت يتكلم بصوته وبطريقته ويتحرك مثله وأحياناً يأكل بأسلوبه أو يأكل فقط ما كان يحبه الميت والاهم من كل ذلك هو أن يغير الشخص الحزين اتجاه حياته تماماً أملاً في أن يحقق للميت ما كان يتمناه بغض النظر عن رغباته وطموحاته هو. وقد يأخذ التشبه صورة أخرى وهي الشعور بالأمراض التي كان يعاني منها الميت قبل موته والتي قد تبدو حقيقة ومخيفة مثل الأزمات المشابهة لأزمات القلب إذا ما كانت الوفاة نتيجة لمرض في القلب أو الاقتناع بالإصابة بأمراض سرطانية خبيثة إذا ما كان سبب الوفاة سرطان في عضو ما. وهذه الصورة تكون في كثير من الأحيان وراء اللجوء للأطباء بصورة متكررة وقد تجري العديد من الفحوصات على هذا الشخص ظنا أن هناك مرض عضوي حقيقي بدون التنبه لاحتمال ارتباط هذه الأعراض بحادثة الموت. وهذا لا يعني أن العرضة للأمراض العضوية الحقيقية بعد حالات الوفاة قليلة بل أن هناك ما يدل بأن احتمالات موت الأرامل أو الأرملة تتزايد في السنة الأولى بعد وفاة الزوج أو الزوجة.
وإذا كان للطب النفسي دور في علاج بعض أشكال هذا الحزن المرضي فهي تتركز في الطريقة العلاجية التي تسمى "ترشيد الحزن" بمعنى إتاحة الفرصة للحزين في معايشة التجربة بشكل واقعي وبصورة تدريجية قد تأخذ عدداً معيناً من الجلسات العلاجية التي تدور في محورها حول الأمور التي تتعلق بالميت والحديث عنه باستفاضة ورؤية صوره واستكشاف المشاعر الكامنة في نفس الحزين تجاهه من الحب والكراهية والشعور بالذنب حتى يتمكن في نهاية العلاج من تقبل الواقع ومصالحة نفسه مع الموت، ومواصلة حياته بشكل طبيعي.
وبعد أن ناقشت التأثيرات النفسية لفقدان عزيز بالموت والصور المرضية لهذه الحزن لابد من توجيه المناقشات إلى المرأة الأرملة والتي لا شك أنها عرضة لكل ما ذكرت من المراحل والدفاعيات النفسية، ولكن ما يزيد في حالتها الخاصة هو التغير الجذري لأسلوب وشكل حياتها بل انقلاب نظام يومها الذي قد يتمثل في أمور بسيطة مثل ميعاد تناول الطعام الذي غالباً ما يرتبط بعودة الزوج من العمل وكرسيه الشاغر وعدد الأطباق والملاعق على مائدة الطعام وأشياء صغيرة أخرى تواجهها كل يوم.
ولكن أهم وأخطر تغيير هو هذا التحول في ذاتها وتعريفها لنفسها ففجأة تشعر بأنها لم تعد زوجة ولم تعد جزء من كينونة ثنائية وأنه أصبحت كائن جديد يدعى "أرملة" وتوجه لأول مرة في حياتها التفكير كفرد واتخاذ القرار وحدها بدون الرجوع إلى الشخص أو هذا الآخر الذي كان على الأقل جزء هام في النقاش إن لم يكن في حقيقة الأمر صاحب كل قرار.
ولا شك أن خطورة هذا التغير وصعوبته ترتبط بالضرورة بدرجة اعتماد المرأة على الرجل ومدى هذا الاعتماد. ومن الطبيعي أن تشعر الأرملة في هذه الظروف بأن من المستحيل أن تتقبل هذا الوضع الجديدوتتحول وتبدأ في تعلم قواعد جديدة وتنسلخ من دورها القديم لتقوم بالدور الجديد المنتظر منها. وتكون النتيجة الرفض والخضوع لحالة الحزن وما فيها من استسلام وسلبية وتزيد درجة اعتمادها الذي يوجه إلى الآخرين من المقربين وخاصة الأبناء. وقد يصل إحساسها بالسلبية والضآلة وقلة الحيلة والاعتمادية إلى أشكال مرضية تشبه الاكتئاب الاكلينيكي.
وتستمر الأرملة في الحياة كما لو كان زوجها ما زال حياً بتحنيط كل ما حولها وعدم التعرض لأي موقف من المواقف التي قد تفرض عليها مواجهة الحقيقة ومواجهة نفسها وهو ما يعرف باعتزال الحياة وإيقاف الزمن الذي قد يستمر لسنوات إما أن تفيق منه الأرملة أو أن تتدهور حالتها النفسية والعضوية إذا لم تعالج وبالرغم من تركيزي على الآثار النفسية الخاصة بحالات الترمل إلا أن هذه الجوانب النفسية ترتبط بشدة بنوعية التبعات الاجتماعية التي تعقب وفاة الزوج. وأهمها بلا شك هو التدهور الاقتصادي والمعيشي وما يترتب على ذلك من مشاكل أخرى. وحزن الأرملة حزن معقد يرتبط بصورة واضحة بدور المرأة السلبي والتقليدي في الأسرة وتوقع اعتمادها على زوجعها فلهذا ليس بغريب أن نجد هذه المرأة غير قادرة على الاستمرار بعده بعدون توجيه هذا الاعتماد إلى طرف آخر في الأسرة والذي غالباً ما يكون أحد الأبناء. وبالرغم من أن الحزن في هذه الحالات يتطلب المعونة الطبية إلا أنه يمر بدون ملاحظة أنه مرضي لأنه في ظاهره مقبول وطبيعي مع التوقعات السائدة في المجتمع والتي قد تجد في توقف المرأة عن الحياة بعد وفاة زوجها دلالة على حبها وإخلاصها له متجاهلة سلبيتها واعتمادها على الآخرين وخوفها من مواجهة المشاكل وفشلها في اتخاذ القرارات اللازمة والتي تتعلق بها أو بالأسرة ككل.
ومن الواقع أن مشاركة المرأة لزوجها أثناء حياته في الأمور التي تتعلق بها وبإدارة المنزل والوضع المالي للأسرة وغير ذلك من الشؤون واعتيادها على تحمل المسؤولية وأخذ الفرصة في صنع القرارات من الجوانب العملية التي قد تبدو بسيطة أو عادية ولكن لها دور كبير في حماية المرأة من الإصابة بردود فعل مرضية بعد وفاة الزوج قد يكون لها عظيم الأثر على نفسها ونفوس الآخرين من حولها.
والأسلوب العلاجي الذي يتبعه الطب النفسي في مساعدة المرأة الأرملة كي تعبر هذه المرحلة الحزينة في حياتها يدور في بادئ الأمر حول نوعية العلاقة بينهما وبين زوجها أثناء حياته ويتدرج بعد ذلك ليتناول شعورها الحالي من الاستسلام والضعف وعدم مقدرتها على مواجهة الواقع وملء الفراغ الذي تركه الزوج بجانب مقاومتها لتعلم الجديد والضروري الذي يمكنها من التخلي عن دور المسكينة والمستضعفة ويعطيها القوة للبحث في داخلها عن منابع الثقة والسمات الإيجابية التي لم تكن تعرفها عن نفسها من قبل مما يجعلها ترى الحياة بنظرة جديدة تدفعها إلى بناء حياتها من جديد.

مقال 😮

مقااال جميل وهااادف بس يبعث الحزن في النفس الله يخلى لنا ازواجنا ويطول بعمرهم ويثبتنا عند الاحزان والكروووب لان الموت لا محال منه وكل من عليها فاان مشكوووره يا الغلا
شاكره تواجدك اختي ويسعدك ربي ويبعد عنك الاحزان يارب
مشكورة على المقال الرائع جزاك الله الف خير
حياك الله اختي
موضوع مؤثر الصراحة.. الله يصبرك ويعينك أختي ام راشد…
مقاااااااااااال رائع
يعطيج العافية

جزاج الجنة حبوبة

العتب

عروس اقتباس عروس   عروس المشاركة الأساسية كتبها منى_هانم عروس عروس   عروس
     
  مشكورة على المقال الرائع جزاك الله الف خير  
عروس   عروس

شكرا لتواجدك اختي :thumbs_up:

عروس اقتباس عروس   عروس المشاركة الأساسية كتبها رانيا البحرينية عروس عروس   عروس
     
  موضوع مؤثر الصراحة.. الله يصبرك ويعينك أختي ام راشد…  
عروس   عروس

اللهم امين واشكرك ام عبدالله على تواجدك في موضوعي F:

عروس اقتباس عروس   عروس المشاركة الأساسية كتبها اماني الغلااا عروس عروس   عروس
     
  مقاااااااااااال رائع  
عروس   عروس

شكراااااااااااعروس

عروس اقتباس عروس   عروس المشاركة الأساسية كتبها ✿~[ هيۈنه? آڷڪْرًز ]~✿ عروس عروس   عروس
     
 

يعطيج العافية

 
عروس   عروس

الله يعافيك ويسعدك :woo:

عروس اقتباس عروس   عروس المشاركة الأساسية كتبها العتب عروس عروس   عروس
     
  جزاج الجنة حبوبة

العتب

 
عروس   عروس

نحن واياكي اختي :thumbs_up:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.