من فقه الأدعية والأذكار
***
بيان فضل الأذكار
النبويةِ والأدعيةِ المأثورةِ التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم
ويعلِّمُها أصحابَه؛ لكمالها في مبانيها ومعانيها، ولاشتمالِها على جوامع الخير
وفواتحِه وخواتِمِه.
كان النبي صلى الله
عليه وسلم" يُعجبُه الجوامعُ من الدعاءِ، ويدع ما بين
ذلك "،
رواه أبو داود في سننه،
والإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه .
وروى الفريابي
وغيرُه من حديث عائشة أيضاً أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "
يا
عائشة، عليكِ بجوامع الدعاء: اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه،
ما علمتُ منه وما لَم أعلم، وأعوذُ بكَ من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما علمتُ
منه وما لَم أعلم، اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ مِن خيرِ ما سألكَ منه محمدٌ عبدُك
ونبيُّك، وأعوذ بك من شرِّ ما عاذ منه عبدُك ونبيُّك، اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ
الجنَّةَ وما قرَّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النارِ وما قرَّب إليها من قولٍ
وعمل، وأسألكَ ما قضيتَ لي من قضاءٍ أن تجعلَ عاقبتَه
رشداً
".ذكره ابن رجب في جامع
العلوم والحكم (2/533). وخرَّجه الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان في
صحيحه.
وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه قال: " إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عُلِّم فواتحَ الخير
وجوامعَه، أو جوامعَ الخير وفواتحَه وخواتمه …
".
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فإنَّه صلى الله عليه
وسلم أُعطي جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكَم، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بُعثتُ بجوامع الكَلِم
"، قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: " جوامع
الكلم فيما بلغنا أنَّ الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب قبله
في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك "
اهـ.
وحاصلُه أنَّه صلى الله عليه وسلم
كان يتكلَّم بالكلام الموجَزِ القليلِ اللفظ، الكثير المعاني، وهكذا الشأن في
أذكاره وأدعيته صلوات الله وسلامه عليه، كان يُعجبه من ذلك جوامع الذِّكر والدعاء
ويدع ما بين ذلك.
وإذاً فالواجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يعرف
عِظَمَ قدر الأدعيةِ النبوية ورفيع مكانتها وأنَّها مشتملةٌ على مجامع الخير وأبواب
السعادةِ ومفاتيح الفلاح في الدنيا والآخرة، فخيرُ السؤال أن يسألَ المسلمُ ربَّه
مِن خير ما سأله منه عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وأفضلُ الاستعاذة أن يستعيذ
بالله من شرِّ ما استعاذ منه عبدُ الله ورسولُه صلى الله عليه وسلم، فإنَّ في ذلك
فواتحَ الخير وخواتِمَه وجوامعَه، وأوَّلَه وآخرَه، وظاهره
وباطنَه، ومن يتأمَّل جميعَ الأدعيةِ الواردةِ في القرآن
والسنةِ يجدها كذلك، فإنَّ الله تبارك وتعالى قد اختار لنبيِّه محمد صلى الله عليه
وسلم جوامعَ الأدعيةِ وفواتح الخير وتمام الأمرِ وكماله في الدنيا والآخرة، فكيف
يدَعُ المسلمُ هذا الخيرَ العميمَ والفضلَ العظيم الذي اشتملت عليه أدعيةُ النبي
الكريم صلى الله عليه وسلم، ويُقبِلُ على أدعيةٍ أخرى لغيره ممَّن لا تُؤمَنُ
غائلتُهم من شيوخ الضلال وأئمَّة الباطل، المتكلِّفين في الدِّين ما ليس
منه.
ولهذا يقول الخطابي
رحمه الله: " أولى ما يُدعى به ويُستعمل منه ما صحَّت به الروايةُ عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه بالأسانيد الصحيحة، فإنَّ الغلطَ يعرض
كثيراً في الأدعية التي يختارها الناس لاختلاف معارفهم وتباينِ مذاهبهم في الاعتقاد
والانتحال، وبابُ الدعاء مطيَّةٌ مظنَّةٌ للخطر، وما تحت قدم الداعي دحضٌ، فليحذر
فيه الزلل، وليسلك منه الجَدَد، الذي يؤمن معه العِثار، وما التوفيق إلاَّ بالله
عزَّ وجلَّ "