الزواج.. ذلك الحلم الوردي الذي يداعب كل شاب وفتاة في مقتبل العمر ما هو إلا رحلة في قطار العمر المفعم بالآمال، وكأي رحلة تتطلب استعدادات جادة وخطوات حثيثة كان لابد من التأني في اتخاذ قرار الزواج وقرار اختيار شريك الحياة؛ لذا نقدم لكم أهمية هذه الخطوات في حياة كل شاب وفتاة .
لماذا نتزوج؟
وبصفة عامة فإن الهدف الأساسي للزواج هو إعفاف النفس، وتكوين أسرة، وإنجاب ذرية، وتربية أبناء صالحين، ولذلك فإن على الشاب والفتاة الوضوح التام في تحديد هدف كل منهما من الزواج؛ لأن الانحراف عن هذا الهدف الأساسي يؤدي إلى تخبط الشخص في اختيار شريك حياته وتردده واتخاذه القرار الخاطئ.
وبالطبع فإن قرار الزواج ليس صعبا أو مستحيلا، ولكنه قرار مهم ومصيري؛ لذا ينبغي التروي في اتخاذ هذا القرار والتدقيق في توقيته، والأهم أن يحدد الشخص طبيعة شخصيته وما الذي يريده؟ وما الذي يلائمه؟ وما هي أبرز إيجابياته وسلبياته؟
كما عليه أن يحدد بدقة إمكانياته ومدى توفر متطلبات الزواج لديه أو ما يعرف بالباءة، فالزواج ليس حبًّا عاطفيًّا رومانسيًّا فحسب، وإنما أيضًا مسئوليات مادية ونفسية واجتماعية تحتاج إلى إعداد وتهيئة من كل هذه النواحي، وبالتالي لا بد من حساب القدرات والمؤهلات والإمكانيات بدقة قبل الإقدام على الزواج.
التأني في الاختيار :
ونؤكد أنه إذا كان قرار الزواج من القرارات المهمة فإن قرار اختيار شريك الحياة هو الخطوة التنفيذية الأهم؛ لأن الاختيار السليم المتأني بمثابة الوقاية التي هي خير من العلاج، بينما على النقيض، الاختيار العشوائي مقدمة لمشكلات أسرية خطيرة يدفع ثمنها الطرفان وأسرتهما وربما أطفال أبرياء، ولذلك فإن قرار الاختيار في النهاية لا يجب أن يتحمله سوى الشخص نفسه، وبالتالي لا بد من تحديد المميزات التي لا يستطيع الاستغناء عنها في شريك حياته، والسلبيات التي يمكن تحملها، وتلك التي لا يمكن تقبلها، لكنه مع ذلك لا يوجد اختيار صحيح أو خاطئ مائة في المائة، ولكن يوجد اختيار يستطيع كل طرف فيه أن يتعايش مع سلبياته، ويتكيف مع ما يترتب عليه من نتائج مع جعل المواصفات التي يطلبها في شريك حياته واقعية، ويساعد في هذا أن يدرك كل طرف أن الكمال لله وحده ولا يوجد شخص متكامل الصفات والمميزات.
كيف نختار؟
ونشير إلى تعدد طرق اختيار شريك الحياة ما بين زواج تقليدي (صالونات)، إلى زواج الترشيح من قبل أحد المعارف أو الأقارب، إلى الزواج باختيار الأهل، أو زواج بين أقارب، أو زواج عن طريق الخاطبة أو مكاتب الزواج، وهناك أيضا طرق للاختيار الشخصي سواء ما يتم منها على أرض الواقع أو عن بُعد، مثل علاقات الشات ومواقع الزواج، وغيرها من طرق التواصل في الفضاء الإلكتروني.
والحقيقة أنه لا توجد طريقة صحيحة وأخرى خاطئة، ولكن المهم هو التعرف على مميزات كل طريقة وتجاوز سلبياتها، فعلى سبيل المثال يجب تطوير طريقة الاختيار التقليدي بالسعي في اتجاه التعارف الحقيقي بين الطرفين، ولا يتم المضي في خطوات الزواج الرسمية إلا بعد أن يتعارف الطرفان والأهل أيضا بشكل كاف.
وفي زواج الترشيح أو الزواج عن طريق الأهل يجب أن يحدد الشخص بدقة المواصفات التي يريدها في شريك حياته ويتوقف دور الأهل عند مرحلة الترشيح فقط، ولا يتعداها لإجبار الشخص على الاختيار بدون رغبته.
أما في الزواج عن بُعد والذي انتشر مؤخرًا بين الشباب فيجب أن يعي الشخص جيدا مشكلات هذا النوع من التعارف، والتي من أهمها تعمد الكذب والتضليل وظهور الطرف الثاني بمظهر مختلف عن حقيقته الواقعية؛ لذلك لا يصلح أن يترتب على العلاقات عن بُعد ارتباط حقيقي إلا بعد تحول هذا التعارف الافتراضي إلى تعارف حقيقي على أرض الواقع بمباركة الأهل.
دعائم الاختيار :
أن الزواج علاقة أبدية، هدفها الاستقرار وتكوين أسرة ورعاية أبناء، لذلك يجب أن يقوم على دعامات قوية ومتعددة وأهمها:
1- الدين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وصاحب الدين هو من اجتمعت فيه مرغبات النكاح بحسن إيمانه وتقواه وتطبيقه لشرع الله؛ لأن الدين هو حياة كاملة وليس عبادات أو طقوسا شكلية فحسب.
2- حسن الخلق: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه".
3- الكفاءة: فعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا له من زوجة صالحة؛ إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله".
4- التكافؤ: من الناحية الاجتماعية والثقافية والعلمية والفكرية وغيرها، ولا يقصد بالتكافؤ المساواة التامة، ولكن وجود مساحات مشتركة تصلح للبناء عليها؛ وذلك لأن التكافؤ يؤدي لاحترام كل من الزوجين للآخر، ويؤدي إلى توافق الزوجين وحسن المعاشرة بينهما.
5- الإدام: بمعنى القبول والرضا والألفة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المعايير تتفاعل مع بعضها في منظومة متكاملة، فالجمال مثلا لا يصلح وحده كأساس للاختيار بدون النظر للدين والخلق والتكافؤ، وكذلك باقي المعايير لا يصح النظر إلى أحدها بمعزل عن باقي المعايير الأخرى.
بعقلي أم بقلبي؟
ويأتي السؤال الذي يحير الكثير: هل أختار بالعقل أم بالقلب؟
والحقيقة أن العاطفة تعني وجود المشاعر الطيبة أو الحب والتوافق والانسجام ووجود قبول نفسي وارتياح في أسرة كل طرف، وهذه العاطفة فطرة بشرية أودعها الله في قلوب البشر.
وبصفة عامة لا زواج بدون حب، والذي يتمثل في أدنى منزلة له في القبول النفسي بين الطرفين، فلا يعقل أن يستمر الشخص في إجراءات الزواج وهو يشعر بالنفور التام من الطرف الثاني، لكن العاطفة ليست كل شيء ولا تصلح وحدها معيارا في الاختيار بل لا بد من إعمال العقل في الاختيار والموازنة بين العقل والعاطفة بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.
ولنا خير أسوة في هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يوضح أهمية الجانبين فيما أوصانا به عند الاختيار، فأشار إلى جانب العقل في الحديث الشريف: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه". وأشار إلى جانب العاطفة حين قال: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
ما خاب من استخار :
الخطوات الأخيرة في الاختيار أيضا تتطلب التأني والحكمة؛ لذا لا بد فيها من الاستعانة باستخارة الله ومشاورة أهل الخبرة، وذلك بعد الاطمئنان للقبول النفسي للطرف الثاني، وبعد التأكد من مدى مناسبته من ناحية المستوى الثقافي والاجتماعي والمادي والطباع الشخصية والظروف الأسرية الظاهرة، إلى غير ذلك من الاعتبارات العقلية.
وتكمن أهمية الاستخارة، في أنها نوع من حسن التوكل وتفويض الأمر لله بعد أن أدى الإنسان ما عليه، والاستخارة لا تعني بالضرورة أن يرى صاحبها حلمًا ورديا أو مزعجا، بل تظهر نتائج الاستخارة في ملاحظة مدى اليسر أو العسر في إتمام خطوات الزواج.
"مطبات" الاختيار :
ولكن قد يقع الشخص في دائرة الاختيار السيئ لعدة أسباب من بينها:
التسرع في الاختيار دون التفكير في أبعاد القرار كرد فعل لفشل علاقة خطبة أو زواج سابقة، أو أن تقدم الفتاة تنازلات في الاختيار هربا من شبح "العنوسة"، أو النظر لمعيار واحد بمعزل عن المعايير الأخرى، وهو خطأ يقع فيه الكثير بسبب عدم تحديد المعايير المطلوبة بدقة قبل الإقدام على الاختيار.
ويتمثل سوء الاختيار في وجود صورة ذهنية حالمة عن شريك الحياة قد تكون مستقاة من أحلام اليقظة أو من الروايات العاطفية أو الأعمال الدرامية، وهذه الصورة تقف عائقا دون الاختيار السليم، أو أن يقع الشخص أسيرا لوهم الحب الأول، حيث يتصور الكثير أن الحب الأول هو نهاية العالم، وهو الحب الحقيقي الوحيد.
أما "المطب" الأخير فهو ما يطلق عليه زواج التيك أواي أو الزواج المتسرع، حيث لا يعطى للطرفين فرصة التعارف الجاد داخل محيط الأسرة، والذي يلجأ إليه كثيرًا الشاب المغترب عن وطنه، وكل هذه "المطبات" وغيرها ينبغي الحذر منها ليصل معا إلى بر الأمان.
الله يعطيك العافية
تستاهلين التقييم على هالموضوع المفيد..