تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » سمات السعداء

سمات السعداء 2024.

سمات السعداء

معظم السعداء لم يسبق زواجهم قصص حب عنيفة ، و إنما تزوجوا في الأغلب الأعم زواجاً تقليدياً ثم ولدت بذرة الحب الهادئ بينهم خلال فترة الخطبة و تمت و ازدهرت بالعشرة الطيبة بعد الزواج .

 كل السعداء يتبادلون الإعجاب ببعضهم البعض و يؤمن كل منهم بأن شريكه في الحياة إنسان مميز و يغبط نفسه على الارتباط به ، و لا يخفي عنه هذا الإعجاب ولا يبخل عليه بالتقدير أمام الآخرين و خاصة الأهل و الأقارب .
 كلهم يتبادلون ما يمكن تسميته بالعطف الإنساني فيقدر كل منهم للآخر جهاده في الحياة لإسعاد الطرف الآخر و إسعاد الأبناء و القيام بواجباته العائلية ، و لا يكتم عنه هذا الإشفاق و يعبر عنه من حين لآخر بأن يعرض المساهمة معه في القيام بما يقوم عنه خلاله بما ينبغي له أن يقوم به الطرف المجهد .
 كلهم بلا استثناء لا يقصرون في واجباتهم تجاه الطرف الآخر ابتداءً من الواجبات المادية إلى المعنوية إلى اللفتات الصغيرة التي ترضى النفس ، و تذكر صاحبها بأهميته لدى الطرف الثاني كالهدية الصغيرة في المناسبات و كالاتصال بالزوج للاطمئنان عليه خلال النهار و كإبداء الإعجاب الحقيقي بكل ما يفعله الطرف الآخر من أجله أو من أجل الأبناء أو الأسرة .
كلهم يقولون أن البسمة لا تغيب عن وجهها و لهذا فإن متاعب الحياة كلها تواجهها بالابتسامة الحانية و روح التفاؤل و ليس بالتجهم و الكئيب و التشاؤم الكريه و التقطيب المزعج ، الذي يقطع الخيوط الإنسانية بين الطرفين و يحول الحياة معه إلى كآبة دائمة !
 كلهم و بلا استثناء لا يقارنون حياتهم بحياة الآخرين ولا يعنيهم ما حققه هؤلاء الآخرون في حياتهم من نجاح مادي أو ثراء ، أو ما أقتنوه من أشياء أو ممتلكات ، ولا يشعرون بأنهم أقل من الآخرون ، فينطوي أحدهم على المرارة الباطنية تجاه الطرف الآخر لأنه لم يحقق له ما يستحقه من الحياة الأفضل .
وهم في هذه المنطقة يمسكون بالفعل بأحد مفاتيح السعادة و هو الرضا و الشعور بالغنى الداخلي الذي لا يعادله غنى خارجي ، وكأنهم في ذلك يؤمنون بمخزى الكلمة الحكيمة التي قالها سقراط ذات يوم حين وقف أمام متجر ملئ بشتى أنواع السلع التي لا يستطيع شراءها فتأملها طويلا ً ثم قال :
– ما أكثر الأشياء التي لا أحتاج لها !
و لم يقل ” التي لا أستطيع اقتناءها أو شرائها ” لأن مالا تريده لا تحتاج إليه ولا يساوي قدر أنملة بالنسبة إليك و لو كان عظيم الأهمية و القيمة لدى غيرك .
و عبارة سقراط الحكيمة هذه هي التي أصبحت فيما بعد شعارا ً لمدرسة الفلاسفة الإغريق الكلبيين ، الذين كانوا يؤمنون بأن السعادة لا تكمن في الأشياء المادية ولا في زخارف الحياة وعوارضها الزائلة بل في التحرر من الحاجة إليها ، و لهذا فالسعادة في متناول الجميع إذا رغبوا فيها و أقنعوا أنفسهم بالرضا عما في أيديهم و قنعوا به و لم يتطلعوا لحظوظ الآخرين في الحياة ولا لما في أيديهم .
 كلهم يجدون متعة الحياة الحقيقية في القرب من شركاء حياتهم فإذا تواجدوا معا ً لم ينقطع حبل الحديث بينهم طوال الوقت و لم يعرفوا فترات الصمت الطويلة ، لأن الصمت الطويل بين الشركاء مظهر من مظاهر الجفاء و انعدام الإيناس و نقص الاهتمامات المشتركة و لهذا فالأحباء لا يعرفون الصمت لأنهم في حالة حوار متصل فيما بينهم إن لم يكن بالكلام
فبالأفكار و النظرات و اللمسات و العيون و هناك دائماً ما يجدون الحديث فيه معاً لما اختلوا ببعضهم البعض أو جمعهم مكان واحد ، أما ( الأعداء ) فلا يتسامرون ولا يتبادلون الإيناس ولا يجدون ما يشغل أوقاتهم معاً بالكلام الحلو الممتع اللذيذ فيغرقون في الصمت الجاف الذي يعمق الهوة بينهم .
 كلهم بلا استثناء يستمتعون بعلاقتهم الحسية و ينالون إشباعهم فيها و يعتبرونها جزءاً مكملاً لعلاقاتهم العاطفية ، و لكنها ليست بالجزء الأهم ولا الأوحد فيما بينهم من روابط عاطفية و إنسانية و ذكريات مشتركة يثري أرواحهم أكثر بكثير من اللحظات الحسية العابرة .
 كلهم تجمعهم رؤية متقاربة للحياة إن لم تكن مشتركة أو متماثلة و يتخذون من الحياة موقفاً نفسياً واحداً أو مشابهاً أو مقارباً، وليست بينهم تناقضات حادة في رؤيتهم للحياة ليست بين الشريكين السعيدين في حياتهما مثلاً شريك يعلى القيم المادية فوق كل القيم و شريكه الآخر يعلى القيم الإنسانية و العاطفية عليها و ليس بينهم من يكره البشر كراهية حادة و شريكه في الحياة يحبهم و يتعامل معهم من منطلق العطف الإنساني و ليس بينهم من يتعامل مع الحياة من منظور شديد التشاؤم و الآخر يتعامل معها من منظور متفائل مبتهج بالحياة و اليوم و الغد … و هكذا .
 كلهم بلا استثناء يتحلون بروح التسامح في علاقاتهم بشركاء حياتهم و ينسون الإساءة سريعاً ، و يغفرون الأخطاء العابرة و غير المتعمدة لأن من لا يتسامح مع من يحب لن ينعم بالصفاء معه ، ولأن الإنسان و لو أوتي حكمة لقمان فلابد له أن يقع في بعض الأخطاء الصغيرة إرادياً أو لا إرادياً فإذا لم يجد قلباً غفوراً تحولت الأخطاء إلى إساءات متعمدة و تراكمت في نفس من لا يعرف التسامح و ظلت مشاعره بالمرارة تجاهه .
و لهذا فإني أستطيع أن أقول إن المحبين الصادقين يتمتعون بنوع خاص من الذاكرة ، أستطيع أن أسميه ( ذاكرة الحب ) وهي الذاكرة التي تسقط منها الإساءات بعد فترة قصيرة من الوقت و تحفظ الأشياء الجميلة فلا تتذكر سواها .
و يكرر صاحبها بذلك كلمة الروائية الإنجليزية الشهيرة ” أجانا كريستي ” في مقدمة مذكراتها حين قالت : لقد تذكرت ما أردت أن أتذكره فقط و نسيت ما أردت أن أنساه .
 كلهم جميعا ً يعطون للشركاء قبل أن يأخذوا منهم ولا ينتظرون مقابلاً لما أعطوه ، لأن الحب في مفهومه الحقيقي عطاء بلا تحفظات ولا حسابات ، كما أنه أيضاً ليس موازنة مالية كموازنة الشركات المساهمة بين ” الأصول و الخصوم ” و إنما هو عطاء بلا حساب يقابله غالباً عطاء مماثل إن لم يزد عنه من جانب الشرك المحب .
 وأخيراً فأنهم جميعاً يسلكون سلوكاً نفسياً متزناً تجاه شركائهم و تجاه الحياة بصفة عامة ، و هكذا فإن نقاط الالتقاء بينهم أكثر كثيراً من نقاط الاختلاف .
و هم في تمازجهم و تقاربهم لا يفقدون خصائص شخصياتهم المميزة لأن كلا منهم يمثل دائرة تتقاطع مع دائرة شريكه على مساحة كبيرة من التمازج و التشابه و التفاهم ، و يبقى على الرغم من ذلك لكل طرف مساحة أخرى من الدائرة خارجه عن حدود منطقة التقاطع ، تسمح له بخصوصية أفكاره و شخصيته و اهتماماته فتمضي الحياة بالطرفين بلا عثرات ولا محن ، وتسير مياه النهر الهادئة إلى مصبها في سلام و أمان حتى النهاية .

بقلم الدكتورة / حنان زين
المراجع د: حنان زين
بريد الجمعه أ . عبد الوهاب مطاوع

روعه تسلم ايدك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.