إنَّ من علامة توفيق الله عزّ وجل لعبده المؤمن أن يرزقه اليقظة في حياته الدُّنيا، فلا تراه إلاّ حذراً محاسباً لنفسه خائفاً من أن يزيغ قلبه أو تزلّ قدمه بعد ثبوتها، وهذا دأبه في ليله ونهاره، يفرّ بدينه من الفتن ويجأر إلى ربِّه عزّ وجل في دعائه ومناجاته يسأله الثبات والوفاة على الإسلام والسُّنة غير مبدِّل ولا مغيِّر.
وإنَّ خوف المؤمن ليشتدّ في أزمنة الفتنة التي تموج موج البحر والتي يرقق بعضها بعضاً، وما أخال زماننا اليوم إلاَّ من هذه الأزمنة العصيبة التي تراكمت فيها الفتن وتزيِّنت للنَّاس بلبوسها المزخرف الفاتن، ولم ينجَ منها إلا من ثبّته الله عزّ وجل وعصمه؛ نسأل الله عزّ وجل أن يجعلنا منهم.
ومن هذه الفتن الشديدة التي تضغط على كثير من النَّاس فيضعفون أمامها: فتنة مسايرة الواقع، وضغط الفساد والمشي مع العادات ومراعاة رضا النَّاس وسخطهم؛ وهي فتنة لا يُستهان بها، فلقد سقط فيها كثيــرٌ من النّـــَاس وضعفوا عن مقاومتها، والموفـــق من ثبّته الله عزّ وجل كما قال تعالى: )يُثبِّت اللهُ الذين آمَنُوا بالقولِ الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرةِ( [ابراهيم: 27].
ذكر بعض الصور لفتنة مسايرة الواقع والتقليد الأعمي:
إنَّ فتنة مسايرة الواقع والتأثُّر بما عليه النَّاس لتشتدُّ حتى تكون سبباً في الوقوع في الشرك الموجب للخلود في النَّار عياذاًَ بالله تعالى، وذلك كما هو الحال في شرك المشركين الأوَّلين من قوم نوح وعاد وثمود والذين جاؤوا من بعدهم من مشركي العرب، فلقد ذكر لنا القرآن الكريم أنَّهم كانوا يحتجون على أنبيائهم عندما واجهوهم بالحقّ ودعوهم إلى التوحيد وترك الشرك، بأنَّهم لم يسمعوا بهذا في آبائهم الأوَّلين، وكانوا يتواصون باتباع ما وجدوا عليهم آباءهم ويحرِّض بعضهم بعضاً بذلك ويثيرون نعرة الآباء والأجداد بينهم.
أخبر الله عزّ وجل عن قوم نوح عليه الصلاة والسلام قولهم: )ما سَمِعنَا بهذا في آبائنا الأولين( [المؤمنون: 24].
وقال تعالى عن قوم هود: )قاُلوا أجئتَنا لنعبُد اللهَ وحدَه ونَذَرَ ما كانَ يعبدُ آباؤنَا( [الأعراف: 70].
وقال تعالى عن قوم صالح: )قالُوا يا صالحُ قد كُنت فينا مرجُوَّاً قَبْلَ هذا أَتنهَانَا أن نعبُد ما يُعبدُ آباؤنا( [ هود:62].
وقال سبحانه وتعالى عن قوم فرعون: )قالوا أجئتنا لتلفتنا عمَّا وجدنا عليه آباءنا( [يونس: 78].
وقال عن مشركي قريش: )وإذا قِيل لهُمُ اتبعُوا ما أنزلَ اللهُ قالُوا بَل نتَّبع ما ألفينا عليه آباءنا( [البقرة: 170].
والآيات في ذلك كثيرة، والمقصود التنبيه إلى أنَّ تقليد الآباء ومسايرة ما عليه الناس وألفوه لهوَ من أشدّ أسباب الوقوع في الكفر والشرك، وقد يبين الحقّ للنَّاس ولكن لوجود الهوى وشدَّة ضغط الواقع وضعف المقاومة يؤثر المخذول أن يبقى مع النَّاس ولو كان يعتقد أنَّهم على باطل وأنَّ ما تركه وأعرض عنه هو الحقّ المبين، وإلاّ فما معنى إصرار أبي طالب عمّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على أن يموت على عقيدة عبدالمطلب الشركية، مع قناعته بأنَّ محمداً صلّى الله عليه وسلّم رسول الله والحقّ معه لولا الهوى ومسايرة ما عليه الآباء وخوفه من مصادمتهم وتضليلهم، نعوذ بالله تعالى من الخذلان.
وإذا جئنا لعصرنا الحاضر وبحثنا عن أسباب ضلال علماء الضلال الذين زيَّنوا للنَّاس الشرك والخرافة والبدع الكفرية، رأينا أنَّ من أهمّ الأسباب: مسايرتهم للنَّاس وميلهم مع الدنيا ومناصبها، وظنّهم أنَّهم بمصادمة النَّاس سيخسرون دنياهم ووجاهتهم بين النَّاس، فآثروا الحياة الدنيا على الآخرة وسايروا النَّاس، مع اعتقادهم ببطلان ما هم عليه، وكذلك الحال لسائر النَّاس المقلِّدين لهم في الشرك والخرافة والسحر والشعوذة، ولو ظهر لأحدهم الحقّ فإنَّه يحتج بما عليه أغلب النَّاس فيسير معهم ويضعف عن الصمود أمام باطلهم، إلاّ من رحم الله من عباده الذين لا يقدمون على مرضاة الله تعالى شيئاً، ولا يتركون الحقّ لأجل النَّاس، ولا يسايرونهم على ما هم عليه من ضلال وفساد، بل يتذكَّرون قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "من التمس رضا الله في سخط النَّاس رضي الله عنه وأرضى عنه النَّاس، ومن التمس رضا النَّاس في سخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه النَّاس".
بقية الموضوع على هذا الرابطhttp://www.lahaonline.com/Studies/QandA/a1-11-01-2003.doc_cvt.htm
——————————————————————————–
منقول للفائده والله من وراء القصد———asa
الف مبروك على الأشراف
وجزاك الله الف خير على المواضيع
المميزه