الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبة أجمعين .
لاشك أننا بحاجة لهذا الموضوع في جميع حياتنا
الدين حُسن الخلق، وإن مثَل حسن الخلق في الدين كمثل اللآلئ في المحار، واللّباب في الثمار؛ وإذا تجرّد المؤمن من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات لم يبق من دينه إلا الصورة والشّعائر، ولم يبق من طبعه إلا الشكل والمظاهر. فالدين كلّه خُلق، ومن سبقك في الخلق، سبقك في الدين. مثلما يُعنى المرء بجسده المنسوب الى الطّين، ينبغي أن يُعنى بتجميل نفسه وتطهير روحه المنسوبة الى رب العالمين.
إن الخُلق الذي يُعتدّ به يجب أن يكون هيئة راسخة في النفس، كما يقول الإمام الغزالي: «تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير ما حاجة إلى رويّة وفكر».
إن صاحب الخُلق الحسن كحامل المسك والطيب، يُحذيك، أو تطلب منه، أو تجد منه ريحاً طيّبة؛ فعن خُلقه الكريم تصدر الآثار، كما يصدر الشُّعاع عن الأنوار، والأريج عن الأزهار، من غير توقّف أو تكلّف. إن أَمارات رسوخ الأخلاق في الإنسان لا تخفى على العيان بالمصاحبة والمعاشرة، وما أسرّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلَتات لسانه، و«مهما تكن عند امرئ من خَليقة.. وإن خالها تخفى على الناس تُعلم».
فربّ شحيح يتظاهر بالسّخاء، فيبذل المال سُمعةً أو رياءً، فهذا لا يصدُق فيه خُلق السّخاء. وربّ ناسكٍ يلزم محرابه راكعاً، ساجداً، متبتّلاً، ومالُه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنّى يكون أميناً؟!
يظنّ مرضى النفوس أن الأخلاق كلّها فطرية، وأن ليس للإنسان من الخصال إلا ما جلبه عليه الكبير المتعال، ولن تجد لما خلق الله تبديلاً ولا تحويلاً، وقد رُفعت الأقلام وجَفَّت الصحف!
وتلك حُجّة لا تستوي على ساق، لمعارضتها لسنّة الخلاّق، فإن الله تعالى يدعو الى تزكية النّفوس فيقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وقَدْ خَابَ مَنْ دسَّاهَا} الشمس: 9-10.
ولمعارضتها لهدي النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته الى تهذيب الأخلاق في قوله: «اللهمّ اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها لا يصرف عني سيِّئها إلا أنت» أخرجه مسلم، وفي قوله: «حَسِّنوا أخلاقكم». ولو كان الأمر كما يزعمون لضلَّت المجاهدة، ولبطلت الوصايا والمواعظ. إن الله يقبل التدريب والانقياد، فكيف يعجز عن مثله العباد؟!
لو كانت الطباع كلها فطريّة لما وُضع الإنسان تجاهها موضع الابتلاء والتكليف. إن المؤمن مسؤول عن اكتساب ما يستطيع من الفضائل والخصال، فإذا أهمل تربية نفسه وتهذيبها فإن نفسه تنمو مثل أشواك الغاب، وسيُحاسب على إهماله، ويجني ثمرات تقصيره. والنفس كالطفل إن تُهمله شبَّ على حب الرّضاع… فلا غَرو إذا دعا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم الى التدريب والرياضة النفسية، كما ورد في الأثر: العِلم بالتعلّم، والحِلم بالتحلّم؛ وكما في دعوته: «من يَستعفِفْ يُعفَّه الله، ومن يستغنِ يُغنِه الله، ومن يتصبَّرْ يُصبِّره الله» متفق عليه. فلا مناص من أن يرتاض المؤمن، ويصقل قلبه، ويُهذِّب نفسه بأنواع الرياضة، من أجل أن يقوِّم أخلاقه، ويداوي عيوبه، ويدفع نفسه في مدارج الترقي، ويثير فيها كامن المعالي.
والانغماس في بيئة صالحة ينقل من الجماعة الى الفرد ما تتَّسم به الجماعة من محاسن العادات، ومحامد الأخلاق، وذلك عن طريق السِّراية والمحاكاة، فالجبان في بيئة الشجعان لا يبقى جباناً، والشحيح في كنف الكرماء لا يدوم شحّه.
إن الأخلاق الفاضلة يمكن أن تتحصّل بالاكتساب، بغرس الفضائل في النفوس، وسقيها بماء النصح والإرشاد، حتى تصبح للمرء ملكة من ملكات النفس، وسجيَّة من سجايا الطبع.
فهيا الى رياضة ينكشف دجاها عن تطهير في الطباع، وينجلي نفعها عن تبديل في الأوضاع!
F:
جزآك الله خيرا ..
موضوع قمة في الروعة ..
اسمتعت بقرائته ..
اللهم كما حسنت خَلقنا فحسن خُلقنا ..