وفي سن الشباب مات هذا الشاب الناشئ في عبادة الله, وكانت وفاته قبيل المغرب, وقام عمه بأداء أحكام الميت من غسل وكفن وصلاة, ولما دخل الليل قال عمه: نؤجل الدفن إلى الصباح, ومن التعب والإعياء, غلبه النوم, فنام فرأى في المنام امرأة لم تر عيناه مثلها, إنها الحوراء, وهي تنادي: عجل إلي بحبيبي, فقال لها: ومن حبيبك, قالت: هذا الشاب, فلما قام من نومه شم رائحة لامثيل لها في الوجود, فعلم أنها رائحة الحوراء, ودخل الجيران والأقارب يعزونه فشموا هذه الرائحة, فقال: هي رائحة الحوراء.
بحسبك ياعمار من دار بلية
جنان بها الخيرات يزلفن من الحلل
ويمشين هونا في الجنان أمامهم
يام من الدر المحدق في الكلل
إذا برزت حوراء حف بها البهاء
وأشرقت الفردوس والقوم في شغل
يعانقن أزواجا لكل مطهر
لي فرش الديباج والعيش قد كمل
وطاف بها الولدان من كل جانب
ونودي ولي الله يجزي بما فعل
قد جاءت أوصاف ونعوت كثيرة لأزواج الحور العين, وهذه الصفات يجمعها وصف جامع مانع هو: التقوى, قال تعالى: إن المتقين في مقام أمين* في جنات وعيون* يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين* كذلك وزوجناهم بحور عين* يدعون فيها بكل فاكهة آمنين* لايذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم"الدخان:51 ـ56".
تأمل جلال المزوج, وكيف يقرن بين الحبيب وحبيبته التي تنتظره بشغف, وزواج بلا ولي وبلا شهود وبلا مأذون, فالولي هو الحي القيوم, والله هو الشهيد الرقيب.
ويقول تعالي: قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد* الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار* الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار "آل عمران:15 ـ17".
وهنا وصف المتقين بالصبر والصدق والعبادة والانفاق والتهجد في الأسحار. وقال تعالي: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون" البقرة:25".
وقال تعالي: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً" النساء:57".
وهاتان الآيتان السابقتان جعلت من مهور الحور العين: الإيمان والعمل, وهما ركنا التقوى ولبها وثمرتها. * والقرب من الله تعالى من مهور الحور العين, وأعلى درجات التقوى, وأهله هم السابقون بالخيرات باذن الله, ذلك هو الفضل الكبير, وذلك هو الفوز العظيم, قال تعالى: والسابقون السابقون* أولئك المقربون* في جنات النعيم* ثلة من الأولين* وقليل من الآخرين* على سرر موضونة* متكئين عليها متقابلين* يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين* لايصدعون عنها ولاينزفون* وفاكهة مما يتخيرون* ولحم طير مما يشتهون* وحور عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون* جزاء بما كانوا يعملون،"الواقعة:10 ـ24".
* والاخلاص من مهور الحور العين, وهو قريب من القرب وقرينه, ودرجة القرب درجة الصديقية, وهي منزلة الإخلاص, قال تعالى: إلا عباد الله المخلصين* أولئك لهم رزق معلوم* فواكه وهم مكرمون* في جنات النعيم* علي سرر متقابلين* يطاف عليهم بكأس من معين* بيضاء لذة للشاربين* لافيها غول ولا هم عنها ينزفون* وعندهم قاصرات الطرف عين* كأنهن بيض مكنون،" الصافات:40 ـ49".
* ومن مهور الحور العين: الخوف من رب العالمين, وتعظيم مقامه وتقديره حق قدره, فلو علم العباد قدر عظمته ماعبدوا غيره, قال تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* ذواتا أفنان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهما عينان تجريان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهما من كل فاكهة زوجان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* كأنهن الياقوت والمرجان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* هل جزاء الإحسان إلا الإحسان،"الرحمن:47-60"
وخوف مقام الرب يحتوي علي فكر وذكر, والوقوف مع أسمائه وصفاته إذ إن صاحبه يخاف مقام ربه, ولايخاف ربه فقط, فإن الخائف مقام الرب يعبد ويتقي, ويخاف ويخشي ويشكر ويذكر ويشاهد ويراقب, فهو من الصديقين المقربين.
سبحان الله
الله يحسن لنا الخاتمه يارب
جزاك الله خير
سبحان الله