كنت أقرأ كثيرا قول الله عزوجل في سورة الملك "هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وأتعجب كثيرا من تقديم الموت على الحياة مع أن الحياة حسب علمنا البشري تسبق الموت!!!
مرت حادثة قبل أيام جعلتني أجد تفسيرا لتقديم الموت على الحياة في الآية الكريمة السابقة (ولا أزعم أنه التفسير الوحيد فإن القرآن حمال أوجه كثيرة في التفسير، وأنا لست أهلا للتصدي لتفسير كلام الله العظيم، لكن إنما هو فهم فهمته فإن كان صوابا فمن الله عزوجل، وإن كان خطئا فمن نفسي ومن الشيطان الرجيم)
أما الحادثة فهي استشهاد الأخ المجاهد المرابط الشيخ عبدالله القواسمي في مدينة الخليل المحتلة على أيدي المجرمين الصهاينة وهو خارج من صلاة العشاء في مسجد الأنصار
أعرف بشكل جيد أقارب هذا الاخ المجاهد وأعرف من هو قريب جدا من أطفاله وزوجته المرابطة، لقد قضى سنوات عمره في جهاد وشظف فمن إخراج الصهاينة له إلى مرج الزهور على الحدود الفلسطينية اللبنانية ثم اعتقاله وسجنه لسنوات في سجون الاحتلال الصهيوني ثم حبسه في سجون السلطة الفلسطينية وأخيرا مطاردة الصهاينة له فقد أبلى بلاء حسنا في جهادهم وقتل قطعان جنودهم ومستوطنيهم من خلال عمليات جهادية يخطط لها ويجهز الاستشهاديين الأبرار لخوضها، إنه مطارد حيث لا يستطيع أن يحظى حتى برؤية أبنائه وبناته ويأوى من وادٍ إلى جبل شريدا طريدا خائفا لا يجد فراشا إلا الأرض الباردة ولا يجد لحافا إلا السماء
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
قلت لنفسي: لقد بدأت حياته الحقيقية الآن حيث ينتقل لدار الحق فيأمن الفزع عند ربه، روحه في حوصلة طير أخضر يأكل من ثمار الجنة ويأوي إلى قنديل معلق بعرش الرحمن"
إذا هو اختزل الحياة الدنيا الفانية واجتاز الموت وتخطاه إلى الحياة الحقيقية، أليست الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية التي ليس فيها هم ولا حزن ولا خوف ولا فزع
"هو الذي خلق الموت والحياة…." إن الآية لم تذكر الحياة الدنيا مطلقا فهي لا تستحق الذكر فمتاعها وعذابها قليل قليل جدا بالنسبة للموت وللآخرة، فهي بالنسبة للأخرة كمن يضع اصبعه في بحر خضم كبير ماذا يمكن أن يعلق بهذا الاصبع الصغير من هذا البحر المتلاطم الخضم
فكر بعمق ستجد أن الحياة التي نقتتل ونتصارع عليها كلها بسعاداتها المنغصة وآلامها التافهة لا تستحق الذكر ولا الوقوف عندها، اجعلها مزرعة لحياتك الحقيقية في دار السلام
معتز الجعبري