: حادثة سرقة وقعت بالفعل في شارعنا هذا..
ليتها كانت من أحد المجرمين .. أو أحد اللصوص .. فلربما كان ذلك أهون كثيرًا على النفوس.
ولكنها وقعت للأسف في البيت المسلم، وكان المجرم فيها هم الأبناء الثلاثة الصغار، الذين كان أبوهم يذهب بهم إلى المسجد لحفظ القرآن.
كان الجزاء أن سرق هؤلاء الأبناء الثلاثة أباهم المسكين وأمهم الحانية .. أهذا جزاء الإحسان .. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
يحكي الوالد فيقول:
كنت في حالة متعسرة من الديون .. فكنت أجمع المال لسداد هذه الديون وأضعه في درج المكتب في غرفتي الخاصة، وفجأة بدأتُ أشعر أن المال ينقص مرة بعد مرة، انهارت أعصابي وبدأتُ أشك في نفسي .. هذا المال .. لم أحصل عليه إلا بالكد والتعب يضيع هكذا .. ثم إنه أمانة أحفظها لسداد الديون التي أثقلت كاهلي.
تمر الأيام والمال ينقص تدريجيًا .. بدأتُ أشك في زوجتي وأوشكت علاقتي معها على الانهيار بسبب هذا المال.
وكانت الصاعقة عندما سمعت صراخ زوجتي في أحد الأيام، فأسرعت إليها فإذا بها تلتقط جزءًا من هذا المال سقط عفوًا من ابني الصغير .. فسألته في دهشة من أين لك هذا المال؟ فسكت أولاً ولم يجب فبدأت الصراخ ثم الضرب حتى أقر بكل شيء واعترف بجنايته.
لقد كانت مؤامرة .. تآمر أبنائي علي .. أبنائي الثلاثة الصغار [الأطفال] الذين لم أقصر لحظة في حقهم، سرقوا مالي سرقوا مبلغًا كبيرًا من درج مكتبي، هكذا بلا مبالاة وراحوا ينفقون هذا المال بنشوة وسعادة على أصدقائهم في المدرسة، وزاد الطين بلة أن جاءني الخبر بعدها أن المشرفة ضبطت مع أحد أبنائي الصغار 50 جنيهًا فتعجبت وأخبرتني بذلك.
لم أتمالك نفسي وعاقبتهم بأسوأ صنوف العذاب .. حرمتهم من الطعام والشراب أيامًا وأيامًا.. وعندما أردت أن أطعمهم أجلستهم على الأرض يأكلون أردأ أنواع الطعام، قصصتُ شعر رؤوسهم حتى يعلموا أنهم بهذه الفعلة الشنعاء أصبحوا مجرمين، عاملتهم كما يعامل السجان سجينه، كل يوم ينالون مني صنوف العذاب، والضرب الذي أثر في أجسادهم .. لأنني أرى أن هذا هو الحل الوحيد .. لقد أفرطت في تدليلهم فكانت هذه هي النتيجة، فلن ينفع الآن إلا القسوة والشدة . لقد فشلت في تربية أبنائي ولا أدري ما السبيل، ولطالما تنهال الدموع على خدي عندما أقرأ في كتاب الله سورة يوسف عند قوله تعالى: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَق} [يوسف:81].
ولئن كان ابن يعقوب ـ عليه السلام ـ بريئًا من السرقة فما حال أبنائي الصغار؟
ـ بروح وكيل النيابة أم بلسان المحامي؟
يختلف رد فعل الأباء تجاه سرقة أبنائهم للأشياء أو النقود، ولكن أكثر ردود الأفعال شيوعًا الوجهان الآتيان:
أولاً: بلسان المحامي:
بعض الأباء يرون أن ما يوجه إلى أبنائهم من اتهامات في حالة سرقتهم للأشياء يلوث شرفهم الرفيع حتى أنهم ليقفون منها موقف الدفاع فينفون عنهم التهمة رغم كل الأدلة المنطقية التي تثبت ارتكابه إياها، وهم لا يجرءون على بحث المسألة بحثًا بعيدًا عن التحيز ويبتغي منه الوصول إلى الحقيقة، بل إن أسهل السبل لديهم هو إنكار وقوعها أصلاً.
ثانيًا: بروح وكيل النيابة:
أما الفئة الثانية من الأباء فهم أولئك الذين يذهلهم ويطير رشدهم أن قد رزقوا ابنًا أصبح لصًا في سن السادسة أو السابعة، حتى أنهم يلجأون إلى أشد الأساليب عنفًا ويحاولون ضرب الذلة والمهانة على الصغير جزاءًا على ما اقترف، ويذكرونه بفعلته، ولا يضيعون فرصة لتهويل ذنبه أمام عينيه، وهم لا يأذنون له بنسيان خطيئته الوحيدة الكبرى.
ـ الصواب:
ولكن لا جدوى من التصرف في مشكلة السرقة على هذا النحو أو ذاك سواء أكان ذلك بروح وكيل النيابة أم بلسان المحامي الذي يدافع عن موكله.
فإن موقف الوالد لا ينبغي أن يقتصر على استقصاء الحقيقة والبحث عن وقائع الحال، بل ينبغي أن يكون الاهتمام بالأسباب والبواعث، قدر الاهتمام بالواقعة نفسها.
ـ هل السرقة غاية أم وسيلة عند الأطفال؟
قد تكون السرقة غاية في ذاتها: لأن الطفل قد يرى شيئًا معينًا يتوق إليه، وقد يدرك إدراكًا تامًا أنه ليس في وسعة أو في وسع أهله الحصول عليه، ويرى أن السرقة هي الوسيلة الوحيدة لإشباع هذه الحاجات فيلجأ إلى استخدام تلك الطريقة بالذات لسد كثير من حاجاته، ومن ثم ينمو فيه على مر الزمن ميل إلى عدم الاهتمام بحقوق الآخرين فيما يملكون، لكنه لا ينتمي إلى هذه الفئة إلا نسبة ضئيلة من أحداث الآثمين [السارقين].
ـ غير أن السرقة على المألوف ليست إلا وسيلة لغاية:
والأشياء التي يسرقها الأطفال ليست في الحقيقة هدفهم الذي يسعون للوصول إليه، بل إن الشيء المسروق ليس سوى أداة تستخدم في إصابة الهدف المرغوب، أو قد تكون السرقة نفسها وما يرتبط بها من موقف انفعالي غاية في ذاتها، والسرقة في هذه الحالات مشكلة سيكلوجية معقدة، وذلك لأن الأسباب التي تقوم عليها كثيرًا ما تكون خافية على الطفل كل الخفاء لأنها تعمل مخبوءة في اللاشعور.
ـ فلنعرض الآن بعضًا من الدوافع الشائعة المؤدية إلى السرقة، والغرض الذي قد تحققه في حياة الطفل. وما هي الانفعالات التي قد تكبحها البيئة وتعوقها فلا تجد إشباعًا لها إلا في هذا اللون من الإثم؟
دوافع السرقة عند الأطفال:
[1] الثورة والانتقام:
كانت سلمى بنتًا تبدوا عليها البلادة ليس في هيئتها ما يجذب، يلوح عليها سوء التغذية استعدادها العقلي بسيط، وقد تعودت أن تأخذ الأدوات من أدراج التلميذات وجيوبهن، وظهر من الأدلة أنها كانت تقترف ذلك منذ شهرين أو ثلاثة. ولما واجهناها بذلك بدأت تصرخ وتصيح: ‘لا يحبني أحد، ولست أدري لماذا ؟ فالبنات لا يملن إلي بل يعتدين علي بالضرب والكيد، لهذا لم أسرق إلا من اللواتي أغظنني ومن لا أحبهن’.
وهنا اتبعت الطفلة أسلوب السرقة لتأخذ بثأرها من غيرها فلجأت إليه كرد فعل بدائي غريزي يقوم على الثورة والانتقام ممن اعتدين عليها.
وكان حل مشكلة هذه الصغيرة هو زيادة العناية بها في المنزل وزيادة تغذيتها، والاهتمام بأناقة ملابسها، ونقلها إلى مدرسة أخرى حتى تبدأ صفحة جديدة من حياتها في بيئة لا يعيرها فيها أحد أو تعرف شيئًا عن أثمها، وبأن يقدم إليها قليل من المعونة في أعمالها المدرسية.
[2] الغيرة من الآخرين:
هدى بنت صغيرة لم تتعب أهلها فحسب بل أهل زميلاتها، لأنها كانت تسرق أشياء غيرها من الأطفال فكانت تلبس أية ‘مريلة’ من حجرة الملابس في المدرسة، وتسرق الحلي من الأدراج، وإذا ما واتتها الفرصة سرقت أيضًا من بيت صويحباتها، وكانت تقصر سرقتها على ممتلكات الصغار دون الكبار، بل إنها لم تحاول مرة واحدة أن تنتفع بشيء تسرق بل كانت تعمد إلى تحطيمه وإتلافه.
ـ وبعد دراسة الحالة وجدنا أنها كانت تغير من صويحباتها عندما يعرضن عليها ملابسهن وحلاهن الجديدة.
[3] الشعور بالقوة والسطوة:
فكم من صبي ينزلق إلى السرقة ويدمنها لأنها جانب من نشاط العصابة التي تظهر الشعور بالقوة، وكثيرًا ما لا يهتم الطفل أو عصابته بما يسرقون ولا تهمهم قيمة ما يسرقون، فقط أنهم بنجاحهم في السرقة يفرحون ويشعرون بالقوة والسطوة.
ـ ولا يقترف مثل هذه السرقات إلا من كان دون المتوسط في الذكاء؛ لأن هؤلاء الأطفال يكونون قد عجزوا عن النجاح في الوجود الذي يتفق وأوضاع المجتمع.
ويمكن بوجه عام إصلاح هذا العوج فيهم بتوجيه نشاطهم وجهة اجتماعية مقبولة.
[4] الشعور بالقصور:
أحمد صبي له من العمر ثماني سنوات، كلا والديه تخرج من الجامعة، يسرق فجأة بعض النقود من أسرته ويستخدمها في شراء الحلوى وما إلى ذلك ويوزعها على رفاقه.
كان الدافع إذن عزلته وحاجته إلى الأصحاب فعرف بخبرته كيف يستطيع كسب الشهرة المؤقتة على الأقل وذلك بتمويل الشلة ببعض أنواع الترف وأطايب الحلوى التي كان يغدقها عليهم بكرم وسخاء.
فكان علاج هذا الصبي أن أرسلناه إلى أحد المخيمات الصيفية حتى يندمج مع الجماعة الجديدة ويكون له أصحاب.
[5] الصراع العقلي:
قد تكون السرقة مرتبطة بنوع من الصراع العقلي وخاصة ذلك النوع من الصراع الذي يتصل بالميول الجنسية، فكثيرًا ما يتصل بالسرقة عندئذ أمور أخرى مثل العادة السرية والكآبة والشعور بالإحباط والضعة، مما يدفع الفتى إلى الظن بأنه لا قيمة لشيء في الحياة، وأنه لن يفقد أكثر مما فقد، إذا هو أضاف إلى ذنوبه ذنبًا جديدًا وكثيرًا ما يجد الفتيان الذين تشتد عندهم الأوهام الجنسية ما يخفف عنهم عبئها في النشوة التي تبعثها السرقة.
[4] الرغبة في التقليد:
صبي في العاشرة من عمره سرق مبلغًا من أمه ثم أخبرها عقب ذلك بأيام أنه قد التحق بعمل بوظيفة ساع، بعد انتهاء ساعات الدراسة وبقي أسبوعًا لا يعود إلى المنزل إلا عشاءً ويتناول طعام العشاء مع والديه، وبعد انقضاء الأسبوع سلم لأمه نفس المبلغ المسروق ولكن مفكوكًا وهو يشعر بالفخر الكبير من أنه كان يقدم جانبًا من العون للأسرة.
وبعد ذلك بوقت قصير كشفت الأم ما فقدت وعرفت أن الصبي لم يكن يقوم بأي عمل، ولما سئل عن ذلك اعترف بأنه أخذ المبلغ وفكه ، وكان الدافع الوحيد لارتكابه هذه الفعلة رغبته في تقليد أبيه والمساهمة في تحمل أعباء الأسرة.
كيف السبيل؟
[1] لا يمكن أن يكون هناك علاج واحد يصلح لأية حالة من هذه الحالات .. لا بد إذن أن نقف على الغاية التي تحققها السرقة في حياة الطفل الانفعالية، وأن نبذل عندئذ ما نستطيع من جهد لعون الطفل على إشباع هذه الرغبة الانفعالية على وجه يرضاه هو ويقبله الله ـ عز وجل ـ وبالتالي يقبله المجتمع.
وسواء أكانت السرقة مجرد وسيلة نحو غاية يعمل الطفل على تحقيقها، أم كانت غاية في نفسها فلابد أن نعمل على ألا يجني الطفل من سرقته إلا الخسارة، أي أنه يجب على الأباء أن يدبروا الأمر حتى لا تحقق السرقة الغاية التي كانت تبتغي منها.
[2] ولا ينبغي أيضًا تهوين الذنب أو العمل على إخفائه حماية للطفل أو لسمعة أهله ولكن ينبغي أيضًا عدم إذلاله بل نشجعه على مواجهة المشكلة في صراحة وجلاء.
[3] لا بد أن يتعود الطفل قاعدة هامة وهي: ‘من أتلف شيئًا فعليه إصلاحه’.
فإن سرق شيئًا لابد أن يرد هذا المسروق من مصروفه، ويحرم جزء من مصروفه لسداد هذا المسروق.
[4] وعلى المربين والأباء أن يغرسوا في نفوس أبنائهم عقيدة المراقبة لله والخشية منه وأن يعرفوهم بالنتائج الوخيمة التي تنجم عن السرقة، وتستفحل بسبب الغش والخيانة، وأن يبصروهم بما أعد الله للمجرمين من مصير فاضح وعذاب أليم يوم القيامة.
[5] تذكير الطفل بقصة بائعة اللبن في عهد عمر بن الخطاب، وكيف أن تلك البنت الصالحة التي قالت لأمها: ‘إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا’. فكانت هي وزوجها عاصم بن عمر بن الخطاب أمًا وأبًا لعمر بن عبد العزيز الذي ملأ الأرض عدلاً وسلامًا.
المصادر:
1- مشكلات الأطفال اليومية د/ دوجلاس توم.
2- تربية الأولاد في الإسلام د. عبد الله ناصح علوان.
وجزاك الله خيرا
جزاكم الله خيرًا
فالحل الأفضل هو أن لا نوبخ الإبن أمام الجميع و لكن يجب أن نبحث و نكتشف إن كان قد فعل حقاً ذلك الشيئ و لماذا و عند ذلك نختار العقاب المناسب
نقل موفق, جزاكم الله خيراً
تحياتي, أم ملاك