السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فائدة: أفضل الذكر
من الذاكرين من يبتدئ بذكر اللسان وإن كان على غفلة ، ثم لا يزال فيه حتى يحضر قلبه فيتواطأ على الذكر. ومنهم من لا يرى ذلك ولا يبتدئ على غفلة بل يسكن حتى يحضر قلبه فيشرع في الذكر بقلبه فإذا قوي استتبع لسانه فتواطئا جميعا. فالأول ينتقل الذكر من لسانه إلى قلبه. والثاني ينتقل من قلبه إلى لسانه، من غير أن يخلو قلبه منه، بل يسكن أولا حتى يحس بظهور الناطق فيه . فإذا أحس بذلك نطق قلبه ثم انتقل النطق القلبي إلى الذكر اللساني ثم يستغرق في ذلك حتى يجد كل شيء منه ذاكرا.
وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الأذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده.
فصل: أنفع الناس وأضرهم
أنفع الناس لك رجل مكنك من نفسه حتى تزرع فيه خيرا أو تصنع إليه معروفا ، فإنه نعم العون لك على منفعتك وكمالك. فانتفاعك به في الحقيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر . وأضر الناس عليك من مكن نفسه منك حتى تعصي الله فيه فإنه عون لك على مضرتك ونقصك.
فائدة: اللذة المحرمة
اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها مثمرة للألم بعد انقضائها، فإذا اشتدت الداعية منك إليها ففكر في انقطاعها وبقاء قبحها وألمها ثم وازن بين الأمرين وانظر ما بينهما من التفاوت.
والتعب بالطاعة ممزوج بالحسن مثمر للذة والراحة، فإذا ثقلت على النفس ففكر في انقطاع تعبها وبقاء حسنها ولذتها وسرورها، ووازن بين الأمرين وآثر الراجح على المرجوح، فإن تألمت بالسبب فانظر إلى ما في المسبب من الفرحة والسرور واللذة يهن عليك مقاساته، وإن تألمت بترك اللذة المحرمة فانظر إلى الألم الذي يعقبه ووازن بين الألمين.
وخاصية العقل تحصيل أعظم المنفعتين بتفويت أدناهما واحتمال أصغر الألمين لدفع أعلاهما.
وهذا يحتاج إلى علم بالأسباب ومقتضياتها ، وإلى عقل يختار به الأولى والأنفع له منها، فمن وفر قسمه من العقل والعلم اختار الأفضل وآثره ، ومن نقص حظه منهما أو من أحدهما اختار خلافه ، ومن فكر في الدنيا والآخرة علم أنه لا ينال واحدا منهما إلا بمشقة فليتحمل المشقة لخيرهما وأبقاهما.
فائدة: في كل عضو أمر ونهي
لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة . فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه فقد أدى شكر نعمته عليه فيه وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته.
وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه وتقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه، وإن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر، فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر ولا وقوف في الطريق ألبتة . قال تعالى : ((لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر))( سورة المدثر : الآية رقم : (37)).
000000000000000000000000000
من كتاب الفوائد
لابن القيم — رحمه الله تعالى —
—————–