كثير منا يتعرض لمواقف.. لا يدري!.. هل الظروف المحيطة به تملي عليه أن يكون في حكم المضطر ويعمل بأحكام "الضرورة"…أم أن الأمر أهون و أقل من أن يحكم عليه بذلك؟
دعونا نناقش هذا الموضوع ونحكم عليها بأنفسنا من خلال المواقف التالية.
وبعد سرد المواقف إن شاء الله ستكون لي وقفة معها لنفهم المعنى الحقيقي لكلمة "الضرورة" ونضبط فهمنا لها بضوابط وأصول نمررها على مواقفنا الحياتية كلها إن شاء الله.
الموقف الأول:
وقفت سارة كعادتها كل يوم أمام المرآة لإصلاح حجابها قبل النزول للجامعة..
فوقفت الأم على باب الحجرة ورمقتها وقالت:يعني برضه مش عايزة تظبطي شكل حواجبك؟…يا بنتي أنتِ طالبة جامعية يعني عاجبكِ شكل حواجبكِ المنكوش ده!
سارة: يا ماما ولا منكوش ولا حاجة…والحمدلله ربنا محلِّيه في عينيا بشكله كده…وأنا راضية بالشكل اللي ربنا ارتضاه لي
الأم: يا بنتي أنا خايفة عليكِ…أنتِ لسه في بداية عمركِ وكمان يعني زمايلكِ اللي في الجامعة لما يشوفوكِ وحواجبكِ منكوشة كده يقولوا ايه؟
سارة: تاني منكوشة يا ماما؟…والله هي حلوة كده وكمان أنا مالي ومال زمايلي الشباب ؟
الأم :طب لما تتجوزي بقى؟..هتفضلي سايبة للراجل حواجبك كده زي أم زبعبع؟
سارة:اطمني من الناحية دي خااالص اللي هياخدني ده إن شاء الله لازم تكون دماغه نفس دماغي…وأكيد طالما أنا رضيت ربنا فربنا هيرضِّيه عنى وهيخليني بحواجبي المنكوشة دي في عينيه أجمل الجميلات
وكمان زي ما أنتِ عارفة يا أمي أن نمص الحواجب حرام وبيستلزم لعنة ربنا سبحانه وتعالى…فهل عشان أرضي زوجي أعصي ربي؟
الأم :حرام ايه بس !..من اللي قال كده؟؟…يا بنتي افهمي دي
ضروووورة!
الموقف الثاني:
مصطفى طالب جامعي نشيط ومجد في دراسته…جميع الأساتذة يشهدون له بالذكاء و الحضور مما استشفوه من أسئلته لهم بالمحاضرة
ما يكاد يجلس في المحاضرة حتى يجعل ناظريه قيد الدكتور المحاضر وينهمك في الكتابة
لفت نظر الكثيرات من الطالبات إجتهاده مما جعل الكثيرات منهن يتطلعن للتعرف عليه وإستعارة كشكوله الثمين هذا .
مريم طالبة في نفس سكشن مصطفى..مرضت لمدة أسبوع وتغيبت عن الكلية و فاتتها محاضرات كثيرة…فلجأت لزميلاتها في السكشن لكي تستعير كشكول محاضراتهن لكي تنقل ما فاتها
بعضهن أعتذرن لأنهن لا يُحسنَّ كتابة المحاضرات…وبعضهن أعتذرن لأنهن لا يستغنين عنه…
فأشارت سلمى -إحدى زميلات مريم- إلى أن تفعل كما تفعل كثيرات من زميلات الدفعة وهو أن تستعير كشكول مصطفى.. وإن شاء الله لن يمانع.
فارتبكت مريم وقالت: أطلب كشكول من ولد ؟؟
فأجابت سلمى: أيوه.. وفيها ايه؟
مريم بدهشة: لا طبعا مينفعش ومقدرش ومايجوزش!
سلمى:مالك يا بنتي حنبلية كده ليه؟ Take it easy وهو الواد يعني هياكلك؟ …كلمتين ورد غطاهم…ازيك يا مصطفى؟ عامل ايه؟ ممكن كشكولك؟
مريم: لا طبعا مينفعش…لا يجوز إني أكلم رجل أجنبي
سلمى: رجلٌ أجنبيٌ !!…يا للهول!…يا بنتى افهمي دي ضروووورة!
الموقف الثالث:
طارق وهاني زميلان في كلية التجارة…نفس المرحلة العمرية..ونفس الظروف الإجتماعية.. مرت بهما سنون الكلية سريعا حتى تخرجا.
كلاهما تخرج من الكلية ولا يجدان وظيفة .. أحدهما ملتزم(طارق) والآخر لا(هاني)
في إحدى اللقاءات قابل هاني زميله طارق و هو يكاد يطير فرحا..
فسأله طارق: مالك يا عم مزقطط كده؟
هاني: مش تبارك لي!…لقيت شغل يا عم..عقبالك!
طارق وهو يتنهد :ربنا يبارك لك يا أخي…الله المستعان عقبالنا…هتشتغل فين؟
هاني: في بنك … وبمرتب تمااام 900 جنيه في الشهر..عمي جابلي واسطة هناك وهيعنوني من بكرة.
طارق ممتعضا: بنك وكمااان واسطة!!…يا هاني يا حبيبي ابعد عن فلوس البنوك دي…ربنا يعافينا منها و يغنينا عنها
هاني: ومالها يعني فيها ايه ؟
طارق: فيها وفيها !
هاني: مش أحسن من قعدتي في البيت من غير شغل ولا مؤاخذة زي الستات؟….طبعا أنت صاحبي وحبيبي ما اقصدكش بحاجة أنا عايز أفهمك بس خطورة الموضوع.
طارق: أنا فاهم قصدك…بس يا حبيبي أفهم الأكل من ربا وإن لحمي ينبت من حرام أخطر من قعدتي في البيت!…وأكيد سمعت شيوخ كتير قالوا إن فلوس البنوك فيها شبهة عشان الفلوس بتستثمر في مشاريع غير مشروعة وكمان بتختلط فيها بالربا بتاع القروض
و ربنا سبحانه وتعالى لعن الربا وكاتبه وأنت يعني لا مؤاخذة هتكتبه.. وهتاخد فلوس مصدرها غير مشروع!
واتق الله يا أخي في نفسك وفي خطيبتك اللي هيجمعك بها بيت إن شاء الله.. عايز تأكلها من حرام؟
هاني: يا عم حرام ايه بس!!…هتحرموها ليه؟…ما الناس كلها حاطة فلوسها في بنوك..وكمان أنت مش شايف الشباب المترصصين على الأرصفة مش لاقيين شغل وأنا لما تجيلي نعمة كده وظيفة بمرتب مغري أرفصها؟…يا بنى افهم دي ضرووووورة !
يتبع..
" الضرورات تبيح المحظورات"
وصارت الضرورة وسماحة الشريعة ويسر الدين شمّاعة يعلقون عليها كل أفعالهم.. ففعلوا الحرام والمكروه .. و وقعوا في الشبهات.. وتركوا الواجبات باسم الضرورة .
ووجه المغالطة له 3 جهات:
1- من جهة تنزيلها وإسقاطها على الحالة
فبقينا نقول كلمة ضرورة عمال على بطال ..أي حاجة نجد فيها ضيق أو قيد معين أو وجدنا مثلا أن هوانا لا يستسيغ الأمر أو النهي نقول:
"دي ضرورة.. يعنى هقطع نفسي ..أعمل ايه الظروف استحكمت كده"
بقى عندنا بمعنى أصح مرض اسمه "إسهال الإستسهال"
2- من جهة ضبط هذه الضرورة بالضوابط الشرعية
ماشي في بعض الحالات يصدق فيها مصطلح الضرورة..لكن حالات تانية كثيرة أهل الضرورات تجاوزوا حد الضرورة وتوسعوا في استباحة المحرمات وفعل المحظورات
بمعنى.. لو الضرورة حكمت عليك إنك تلتزم بشئ معين لفترة معينة…فخلاص أنت مقيد بالشئ ده وللفترة دى..لا تتوسع!
3-من جهة الرضا بالواقع
فقد استسلم معظم الناس إلى نعمة الترخص ، ورغبوا في استبقاء هذه النعمة وعدم زوالها ، مع أن مسألة الترخص تعتبر من الأمور العارضة والقضايا الطارئة ، إلا أنها صارت في كثير من الأحيان عند بعض الناس ذريعة إلى التخلص والتفلت من الالتزام بقيود هذه الشريعة ، والأخذ بعزائم
أحكامها .
طيب هل نعلم ما معنى كلمة "ضرورة" ؟
"الضرورةُ هي الحالةُ التي تَطْرَأُ على العبد من الخطر والمشقَّة الشديدةِ بحيث يخاف حدوثَ ضَرَرٍ أو أذًى بالنفس أو بعُضْوٍ من أعضائه أو بالعِرْض أو بالعقل أو بالمال، أي: إذا لم تُرَاعَ خِيفَ أن تضيع مصالِحُه الضروريةُ؛ لأنّ الضرورةَ ذاتُ صِلة مباشرةٍ بالضرر الذي الأصل فيه التحريم"
"المراد بحالة الضرورة عند علماء الشريعة في مثل قولهم: يجوز كذا عند الضرورة أو لأجل الضرورة: تلك الحالة التي يتعرض فيها الإنسان إلى الخطر في دينه أو نفسه أو عقله أو عرضه أو ماله فيلجأ (لكي يخلص نفسه من هذا الخطر) إلى مخالفة الدليل الشرعي الثابت، وذلك كمن يغص بلقمة طعام، ولا يجد سوى كأس من الخمر يزيل هذه الغصة. "
بمعنى..
حتى نطلق على حالة ما أنها ضرورة يجب أن يكون هناك مشقة أو خطر متحقق يسبب ضررا معينا أو أذى يلحق بشئ من هذه الأشياء الخمسة:
الدين -النفس -العرض – العقل – المال
طيب لو مررنا هذا المعنى مثلا على المواقف الثلاثة السابقة مع سارة و مريم وطارق…هل نجد أن معنى الضرورة متحقق فعلا؟
هل مثلا لو سارة لم تقم بنمص حاجبيها هيترتب عليها عليها ضرر يلحق بدينها أو نفسها أو عرضها أو عقلها أو مالها؟
-لا لن يحدث !!
نفس الكلام لو مررناه على حالة مريم و طارق
هل لو مريم استمرت على رفضها عدم الحديث مع الشباب في الجامعة ورفضت إستعارة كشكول زميلها هل هيقع عليها ضرر يوصلها لحالة "الضرورة"؟
-لا لن يحدث!…لأن البديل موجود فعلا وأكيد لها زميلات ملتزمات يغنوها عن اللجوء للحديث مع شاب.
في حالة طارق…هل لو اتأخر شغله سنة أو سنتين ورفض أنه يشتغل في وظيفة مكسبها حرام نقول عليه في حكم الضرورة؟
-لا…لأنه مش هيموت من الجوع يعني.
إذن الخلاصة كلمة ضرورة كلمة كبيرة وخطيرة… ولازم نتحفظ قبل إطلاقها.
يتبع…
منقووول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم)
جزاكِ الله خيرًا على هذا الموضوع المميّز
بارك الله فيكِ يا أم عائشة .
أستغرب كيف أن موضوعكِ لم يلقَ ردودًا -علمًا أننا لا ننتظر الثناء .. فجزاؤك عند الله
لكن من لم يشكر الناس ،لم يشكر الله
رفع الله قدركِ
جزاكي الله خيرا علي هذا الموضوع المفيد
بارك الله فيكي
وجعل ذالك بميزان حسناتك
تقبلي مروري وتقييمي البسيط لموضوعك القيم
موضوع جميل
وذكرى لمن كان له قلب او القى السمع
بعد ما فهمنا معنى الضرورة واتفقنا إن مش أي حالة نقول عليها "ضرورة"
عايزين نفرق بين معنى الضرورة والحاجة..
"الضرورة حالة تستدعي إنقاذاً، أما الحاجة فهي حالة تستدعي تيسيراً وتسهيلاً، فهي مرتبة دون الضرورة؛ إذ يترتب على الضرورة ضرر عظيم في إحدى الكليات الخمس، ويترتب على الحاجة مشقة وحرج، لكنه دون الضرر المترتب على الضرورة، وقد تنزل الحاجة منزلة الضرورة: فيما إذا ورد نص بذلك أو تعامل أو كان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به "
الضرورة دي حالة قصوى من الحرج والمشقة لازم لها "إنقاذ"
وممكن الإنقاذ ده يلجأني إني أفعل شيئا مخالفا للشريعة عشان أخرج من الضرر اللي ممكن يلحق بي أو بإحدى الكليات الخمس اللي اتفقنا عليهم قبل كده
(الدين -النفس -العرض – العقل – المال)
مثال:واحد كان بيأكل.. ووقفت لقمة في حلقه.. خلاص هيموووت
ولم يجد أمامه إلا كأس خمر (وشرب الخمر في الشريعة حرام)
طيب نتركه يموت؟..ومن المعلوم من الفطرة بالضرورة إن حفظ النفس واجب !
إذن الشخص ده نقول عليه في حكم المضطر.. ألجأته "الضرورة " لفعل محرم (شرب الخمر) ليزيل عن نفسه الضرر(الموت المحقق).
أما الحاجة تستدعي تيسيرا وتسهيلا
فهي مرتبة أقل من الضرورة…الضرر الواقع عليك من وراءها ضرر أقل من الضرر اللي بنحتج به عشان الضرورة…مجرد هيترتب عليها مشقة وحرج.
عايزين نفهم معنى جميل جدا…
إن الشريعة الإسلامية شريعة سمحة قائمة على التيسير والتخفيف
جاءت بما يقع تحت قدرة المكلف وإن ترتب على فعله مشقة كالجهاد والصوم والحج…
يعنى مفيش تكليف ربنا كلفنا به إلا وهو-سبحانه- يعلم أننا قادرين على تطبيقه .
والدلائل على ذلك من القرآن والسنة عديدة:
من القرآن…قوله تعالى:
((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) [الحج: 78]
((يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً)) [النساء: 28]
((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [البقرة: 185]
من السنة…قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(بعثت بالحنيفية السمحة)
(لا ضرر ولا ضرار)
بعد كل ده لا يستقيم أن واحد يأتي ويقول:
"معلش أنا مش قادر أصلي..أو الصيام ده حاجة تقيلة على قلبي"
طبعا ده واحد..
أولا كذاب
ثانيا لم يفهم الدين…
ثالثا لم يفهم قدر النعمة اللى هو عايش فيها(نعمة الإسلام).
منقول