قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} [التوبة: 81، 82].
وقال الله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} [فاطر: 37].
وقال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)} [الأنبياء: 100].
وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13، 14].
وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} [الفرقان: 27].
* دعاء أهل النار:
إذا دخل أهل النار فيها .. وأصابهم العذاب الشديد .. استغاثوا ونادوا لعلهم يجدون من يغيثهم ويجيبهم.
فينادون أهل الجنة .. وينادون خزنة النار .. وينادون مالكاً خازن النار .. وينادون ربهم .. فلا يجابون إلا بما يزيد حسرتهم .. ثم يفقدون الأمل في الخروج منها .. ويأخذون في الزفير والشهيق.
قال الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)} [الأعراف: 50].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49، 50].
وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} … [الزخرف: 77، 78].
وقال الله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: 106 – 108].
فإذا فقد أهل النار الأمل في الخروج منها وأيسوا من أي خير أخذوا في الزفير والشهيق كما قال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 106، 107].
عياذاً بالله من غضب الله وسخطه وعقوبته.
اللهم ارزقنا الجنة .. وأجرنا من النار .. أنت مولانا .. فنعم المولى .. ونعم النصير.
* تخاصم أهل النار:
حينما يرى الكفار ما أعد الله لهم من العذاب .. ويعاينون تلك الأهوال .. يمقتون أنفسهم .. ويمقتون أحبابهم وخلانهم في الدنيا .. وتنقلب كل محبة بينهم في الدنيا إلى عداوة.
وعند ذلك يخاصم أهل النار بعضهم بعضاً .. ويحاج بعضهم بعضاً على اختلاف طبقاتهم:
1 – مخاصمة العابدين لمعبوديهم: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)} [الشعراء: 96 – 99].
2 – مخاصمة الضعفاء للسادة:
قال الله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} [غافر: 47، 48].
3 – تخاصم الأتباع مع قادة الضلال:
قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)} [الصافات: 27 – 33].
4 – تخاصم الكافر وقرينه الشيطان:
قال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)} [ق: 27 – 29].
5 – ويبلغ الأمر أشده عندما يخاصم الإنسان أعضاءه.
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)} … [فصلت: 19 – 21].
* دعاء أهل النار على من أضلهم:
قال الله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب: 67، 68].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)} … [فصلت: 29].
* خلود أهل النار:
الكفار والمشركون والمنافقون مخلدون في النار .. وأما عصاة الموحدين فهم تحت مشيئة الله .. إن شاء غفر لهم .. وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم ثم أخرجهم إلى الجنة.
قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
* خروج عصاة الموحدين من النار:
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} … [مريم: 71، 72].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً» متفق عليه
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يُعَذَّبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمًا ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ قَالَ فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي حِمَالَةِ السَّيْلِ ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» أخرجه أحمد والترمذي
* ميراث أهل الجنة منازل أهل النار:
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَهُ مَنْزِلَانِ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)} [المؤمنون:10] أخرجه ابن ماجه
* قرب الجنة والنار:
الطاعة موصلة إلى الجنة .. والمعصية موصلة إلى النار .. والطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «الْجَنَّةُ أقْرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ» أخرجه البخاري
* حجاب الجنة والنار:
الجنة لا يوصل إليها إلا بقطع مفاوز المكاره والمشقات .. والنار لا ينجو منها إلا بترك الشهوات المحرمة والشاغلة عن فعل المأمورات .. فالجنة محجوبة بالمكاره .. والنار محجوبة بالشهوات .. فمن هتك الحجاب اقتحم هذه أو هذه.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ» متفق عليه
* احتجاج الجنة والنار وحكم الله بينهما:
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «احْتَجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، فَقَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ: أنْتِ عَذَابِي أعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ (وَرُبَّمَا قَالَ: أصِيبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ) وَقَالَ لِهَذِهِ: أنْتِ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» متفق عليه
* خلود أهل الجنة وأهل النار:
قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود: 106 – 108].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} … [المائدة: 36، 37].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَارَ أهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أهْلَ الْجَنَّةِ لا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ» متفق عليه
الطريق إلى الجنة:
الطريق إلى الجنة هو سلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة بطاعة الله ورسوله.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء: 69، 70].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ أمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى» متفق عليه
* الطرق إلى النار:
الطرق إلى النار كثيرة ويجمعها الكفر والشرك ومعصية الله ورسوله.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].
وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].
وعن جابر – رضي الله عنه – قال: «أتَى النَّبِيَّ (رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ» أخرجه مسلم
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
فأي شقاء أعقبه الكفر بالله ومعصية الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -؟.
وأي خسار وهلاك وضلال فوق هذا؟.
وأي خزي وشماتة حلَّت بأعداء الله ورسوله ودينه؟
إن أمام كل كافر، وأمام كل عاص، عذاب وإهانة، جزاء إعراضهم عن الدين، وانتهاكهم حرمات الله، وعدم المبالاة بأوامره.
إن هؤلاء أشقى الخلق إطلاقاً.
هم الأشقى في الدنيا بأرواحهم الخاوية الميتة .. وهم الأشقى في الآخرة بعذابها الذي لا يعرف له مدى.
وهؤلاء لا ينتفعون بذكرى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)} [الأعلى: 9 – 13].
والنار الكبرى هي نار جهنم، الكبرى بشدتها، والكبرى بمدتها، والكبرى بضخامتها، والكبرى بإحراقها.
فلا مَنْ فيها يموت فيجد طعم الراحة، ولا هو يحيا في أمن وراحة.
إنما هو العذاب الخالد، الذي يتطلع صاحبه إلى الموت كما يتطلع إلى أحسن أمانيه.
فلله كم حجم هذا العذاب الذي الموت ألذ شيء يتمناه الإنسان للفرار منه، والنجاة من هوله وألمه؟.
ويوم القيامة يصل كل إنسان إلى دار إقامته، وإلى ما أعد الله له من النعيم أو العذاب، فللمؤمنين دار النعيم، وللمكذبين بالساعة عذاب جهنم، وقد سُعِّرت ودَبَّت فيها الحياة، فإذا هي تتغيظ وتزفر فيسمعون زفيرها وتغيظها، وهي تتحرق عليهم، وتصعد منها الزفرات غيظاً منهم: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} … [الفرقان: 11، 12].
وكيف حالهم إذا وصلوا إليها؟، وكيف حالهم إذا دخلوا فيها؟.
{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} … [الفرقان: 13، 14].
فهل ذلك السعير، وذلك الزفير، وذلك العذاب خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون؟.
{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)} [الفرقان: 15، 16].
إن عذاب الله شديد لكل كافر، لكل مشرك، لكل عاص، لكل مجرم، لكل مفسد، لا يمكن أن يفتديه الإنسان بالبنين والزوج والأخ والعشيرة، ومن في الأرض جميعاً: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)} [المعارج: 11 – 14].
إن هذا المجرم من الهول والرعب الذي يراه يود لو يفتدي من عذاب النار بأعز الناس عليه، ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة ويناضل عنهم، ويعيش لهم.
بل إن لهفته على النجاة لتُفقده الشعور بغيره على الإطلاق، فيود لو يفتدي بأهل الأرض جميعاً لينجو ويفلت من العذاب.
فما أعظم كربه؟، وما أشد فزعه؟.
ولكن أنى له من الإفلات فهو محاصر بالعذاب: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} [المعارج: 15 – 18].
ألا ما أخطر الحال والمقام؟.
إنه مشهد مروع مخيف، تطير له النفس شعاعاً بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله، فقد أعد لهذا المجرم ناراً تلظى وتحرق، وتنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس، ومقامع تكسر الهامات، وغساق ينشب في الحلوق، وطعام الزقوم والغسلين، وثياب من نار، وفرش من نار، وسلاسل وأغلال من نار، وسجن مظلم.
ونار تدعو كل من أدبر وتولى، تدعوه كما كان من قبل يدعى إلى الهدى فيدبر ويتولى.
ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يمكن أن يدبر ويتولى، ولقد كان من قبل مشغولاً عن الدعوة بجمع المال بأي وسيلة، وحفظه في الأوعية.
فأما يوم القيامة فالدعوة من جهنم لا يمكن أن يلهو عنها، ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كلها منها، ولو جاء بذلك كله ما تقبل منه فليس هذا مكانه، وليس هذا وقت قبوله.
فما أخسر من جمع المال في الأوعية، وصرفه فيما حرم الله، إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية، وما أشد عذابهم عند ربهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 36 – 37].
إن الذي يسكن في أرض الله، ويأكل من رزق الله، ويتمتع بنعم الله، ثم يكفر بالله، ويشرك به، ويعصي أمره، ويعاند رسله، ويحارب أولياءه، ويصد عن سبيله، لجدير بكل عقوبة جزاء كفره ورده الهدى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} [ق: 24 – 26].
فهذا الملقى في جهنم جره الشيطان إليها بست سلاسل:
الأولى: أنه كَفَّار لنعم الله وحقوقه، كفار بدينه وتوحيده، وأسمائه وصفاته، كفار برسله وملائكته، كفار بكتبه ولقائه.
الثانية: أنه معاند للحق بدفعه جحداً وعناداً.
الثالثة: أنه منَّاع للخير، وهذا يعم منعه للخير الذي هو إحسان إلى نفسه من الطاعات والقرب إلى الله، والخير الذي هو إحسان إلى الناس، فليس فيه خير لنفسه، ولا لبني جنسه، كما هو حال أكثر الخلق.
الرابعة: أنه مع منعه للخير معتد على الناس، ظلوم غشوم، معتد عليهم بيده ولسانه.
الخامسة: أنه مريب صاحب ريب وشك، آت لكل ريبة.
السادسة: أنه مع ذلك مشرك بالله، قد اتخذ مع الله إلهاً آخر يعبده ويحبه، ويغضب له، ويرضى له، ويحلف باسمه، وينذر له، ويوالي فيه، ويعادي فيه.
ويختصم هو وقرينه من الشياطين، ويحيل الأمر عليه، وأنه هو الذي أطغاه وأضله، فيقول قرينه الشيطان: لم يكن لي قوة أن أضله وأطغيه، ولكن كان في ضلال بعيد، اختاره لنفسه وآثره على الحق كما قال سبحانه: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)} [ق: 27].
ولكن الخصومة لا تنفع في ذلك الزمان والمكان، فيقول الرب موبخاً لهما: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)} [ق: 28].
وإذا كان أهل النار في جهنم يعذبون، وفي النار يسجرون، فإن أهل الجنة في النعيم يتلذذون كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13، 14].
وإذا كان أهل النار يتلاعنون في النار، ويدعون بالويل والثبور، فإن أهل الجنة إخوان متحابون: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} [الحجر: 47].
وإذا كان أهل النار يشتغلون بالتنابز واللعن والخصام، فأهل الجنة يشتغلون بالحمد والثناء لربهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} … [الأعراف: 43].
وإذا كان أهل النار ينادَوْن بالتحقير والتأنيب ليدخلوا مع أمم مثلهم من الجن والإنس في النار، فإن أهل الجنة ينادَوْن بالترحيب والتكريم لدخول الجنة: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} [الأعراف: 43].
وإذا كان أهل النار وجوههم مسودة مظلمة مغبرة، فإن وجوه أهل الجنة مسفرة ضاحكة مستبشرة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)} [عبس: 38، 39].
وإذا كان لباس أهل النار ثياب قطعت من نار وقطران، فإن لباس أهل الجنة من الحرير والسندس والإستبرق، وحليهم من الذهب والفضة واللؤلؤ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} [فاطر: 33].
وإذا كانت فرش أهل النار من نار، ولحفهم من نار، ومن فوقهم ظلل من النار، فإن أهل الجنة فرشهم بطائنها من إستبرق، وسررهم مرفوعة، ولهم نمارق ووسائد مصفوفة، وبسط مبثوثة: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} [الرحمن: 76].
وإذا كان طعام الكفار في النار الزقوم والضريع والغسلين، وشرابهم الغساق والصديد والحميم، فإن طعام أهل الجنة فواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وشرابهم من خمر لذة للشاربين، وعسل مصفى، ولبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، ولهم فيها من كل الثمرات، أكلها دائم وظلها، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، وقصور من ذهب وفضة، وغلمان وولدان للخدمة، وشباب بلا هرم، وصحة بلا مرض، ونعيم بلا بؤس، وحياة بلا موت، وخلود بلا فناء.
فيا لها من نعمة .. ويا لها من مسرة، فهل من مشمر إلى الجنة؟.
وهل من راغب في الحور الحسان اللاتي كأنهن الياقوت والمرجان؟.
وهل من مسارع لتلك القصور الفاخرة، والمساكن العالية، والفواكه اللذيذة، والأنهار الجارية، وكثبان المسك والكافور، وحصباء الدر والياقوت، وصحاف الذهب والفضة، ولباس الحرير والديباج؟.
{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 21].
وليس بعد العمل الصالح إلا الجزاء الصالح، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟.
فيا سبحان الله .. كم عند الكريم الرحيم لأوليائه من الكرامات؟: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)} [الزخرف: 70 – 73].
إن عيون الإنسانية كلها لا تستطيع أن ترى أو تحيط بما أعده الله لعباده الصالحين في الجنة من النعيم.
ثم قوة الأذن أقوى وأشمل من العين؛ لأن العين لا ترى إلا الظاهر، والأذن تسمع ما في الظاهر والباطن، وآذان البشرية كلها لا تستطيع أن تسمع وصف ما أعده الله من النعيم لأهل الجنة.
ثم قوة الخيال أقوى من كل قوة في الإنسانية، ففي ثانية واحدة يستطيع الإنسان أن يصل بتصوره وخياله إلى أقطار السموات والأرض، ثم يرجع بخياله.
فتلك الدار التي أعدها الله لعباده المؤمنين فوق ما نتصور، وأعظم مما نتخيل، وأكبر مما نتوقع.
فمن حيث المساكن يعطى أدنى مسلم في الجنة مثل هذه الدنيا عشر مرات، وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها.
وإذا كان هذا نصيب أدنى إنسان في الجنة، فكم يكون نصيب أعلى إنسان في الجنة؟ وكم جنات الرسل؟ وكم جنات سيد الرسل؟ وكم جنات المجاهدين؟.
ومن حيث المساكن قصور فاخرة، وقصور معلقة، وخيام واسعة كثيرة، وللمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة طولها ستون ميلاً في السماء.
وطعام أهلها أشكال وألوان، فواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفيها من كل فاكهة زوجان، فيها فاكهة ونخل ورمان، وجنات من أعناب ونخيل، قطوفها دانية: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 24].
فأين المشمرون لمثل هذا؟ .. وأين المسارعون إليه؟.
وأين المتسابقون للفوز به؟.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ تَعَالى: أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ، وَلااُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17]» متفق عليه (1).
وما أعظم نعيم المؤمنين برؤية ربهم يوم القيامة، والرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلا بموجود، وما كان أكمل وجوداً كان أحق أن يُرى، فالباري سبحانه أحق أن يُرى من كل ما سواه؛ لأن وجوده أكمل من كل موجود سواه.
فإنْ تعذُّرَ الرؤية:
إما لخفاء المرئي .. وإما لآفة وضعف في الرائي.
والرب سبحانه أظهر من كل موجود، وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة عن النظر إليه، وأما في دار البقاء فتكون قوة بصر المؤمنين في غاية القوة؛ لأنها دائمة فقويت على رؤيته والنظر إليه كما قال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23].
وأعظم نعيم في الجنة رؤية المؤمنين لربهم، ورضاه عنهم.
والله جلَّ جلاله هو الأكبر، وهو الكبير المتعال، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، وأنه لعظمته سبحانه لا يُدْرك بحيث يحاط به، والإدراك هو الإحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية.
وهو سبحانه أعظم من أن تدركه الأبصار أو تحيط به: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام: 103].
فالمؤمنون ينظرون إلى الله ويرونه، ولكن لا تحيط أبصارهم به لعظمته وكبريائه وجلاله، وبصره يحيط بهم لأنهم خلقه، وجميع المخلوقات كالذرة بالنسبة إليه، والله بكل شيء محيط.
وكما يَعْلَم الخلق ما عَلَّمهم الله، ولا يحيطون بشيء من علمه، ويرزقهم ولا يحيطون بشيء من رزقه، ويكلم ويسمع من شاء من خلقه، ولا يحيطون بكلامه ولا بسمعه.
فكذلك أكرم الله أهل الجنة برؤيته، لكن لا يحيطون به: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23].
والجنة وما فيها من النعيم كرامة من الله لأهل طاعته، ورضى الله عند العبد أكبر من الجنة وما فيها من النعيم كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72].
وهذا الرضا جزاء على رضاه عنهم في الدنيا ورضاهم عنه، ولما كان هذا الجزاء أفضل الجزاء كان سببه أفضل الأعمال، وهو الإيمان بالله والأعمال الصالحة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} … [البينة: 7، 8].
فرضوان الرب عنهم أكبر من كل ما وعدوا به، وأيسر شيء من رضوانه سبحانه أكبر من الجنات وما فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ومن أعظم نعيم الجنة التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه، والفوز برضوانه، ووالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجهه.
وإذا تجلى لهم سبحانه، ورأوا وجهه عياناً، نسوا ما هم فيه من النعيم، وذهلوا عنه، ولم يلتفتوا إليه.
وأي نعيم؟ .. وأي لذة؟ .. وأي قرة عين يداني ذلك؟.
وهل طابت الجنة وقامت إلا بذلك؟.
ومن عرف الله جل جلاله، وشهد مشهد حقه عليه، ومشهد تقصيره وذنوبه، وأبصر هذين المشهدين بقلبه علم وجزم بأن دخول الجنة برحمة الله .. واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال .. والنجاة من النار بعفو الله.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ» متفق عليه
فالعمل سبب لدخول الجنة، لكنه غير مستقل بحصوله، وليس العمل عوضاً عن الجنة، بل دخول الجنة برحمة الله، وقد جمع الرسول – صلى الله عليه وسلم – بينهما كما سبق.
والله تبارك وتعالى بمنه وفضله وكرمه يقرب الجنة للمتقين كما قال سبحانه: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)} [ق: 31 – 33].
فوصف الله أهل الجنة بأربع صفات:
إحداها: أن يكون العبد أواباً أي رجاعاً إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن الغفلة عنه إلى ذكره، كلما أذنب ذنباً استغفر الله منه.
الثانية: أن يكون حفيظاً لما ائتمنه الله عليه وافترضه، حافظاً لما استودعه الله من حقه ونعمته، ممسكاً عن معاصيه ونواهيه، فالحفيظ الممسك عما حرم الله عليه، والأواب المقبل على الله بطاعته.
الثالثة: أن يكون ممن يخشى الله بالغيب، لكمال معرفته بربه وقدرته، وكمال علمه واطلاعه على تفاصيل أحوال العبد، ومعرفته بكتبه ورسله، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده.
فمن عرف هذا خشي الرحمن بالغيب.
الرابعة: أن يكون منيباً إلى ربه، راجعاً عن معصيته، مقبلاً على طاعته.
وجزاء من قامت بهم هذه الصفات أن يقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق: 34، 35].
فيدخلون الجنة دخولاً مقروناً بالسلامة من الآفات والشرور، مأموناً فيه جميع مكاره الأمور، فلا انقطاع لنعيمهم ولا كدر ولا تنغيص.
ذلك يوم الخلود الذي لا زوال له ولا موت، ولا شيء من المكدرات، ولهم فيه كل ما يشاؤون ويحبون من الملاذ والشهوات، ويزيدهم فوق ذلك أفضل نعيم وأكمله، وهو التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، والفوز برضاه، والتلذذ بسماع كلامه.
وقد جمع الله لأهل الجنة بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي، كما جمع لهم بين الزينة الظاهرة والباطنة، فجمَّل البواطن وأكمل لذتها بالشراب الطهور، وجمل السواعد بالأساور والحلي، وجمل الأبدان بثياب الحرير والسندس والإستبرق كما قال سبحانه: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان: 21، 22].
والله تبارك وتعالى هو الرحمن الذي لا أرحم منه، الكريم الذي لا أكرم منه، ومن رحمته وكرمه أن أرسل رسله بدينه وشرعه الذي يصلهم بربهم، ويسعدهم في دنياهم وأخراهم.
والله سبحانه يغار على خلقه وعباده أن يصرفهم الشيطان عن دينهم .. ويغار على قلب عبده أن يكون معطلاً من الإيمان والتوحيد، ومن حبه وخوفه ورجائه، وأن يكون فيه غيره، فالله سبحانه خلق الآدمي لنفسه واختاره من بين خلقه، ويغار على لسان عبده أن يتعطل من ذكره، ويشتغل بذكر غيره.
ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته، وتشتغل بمعصيته، فيقبُح بالعبد أن يغار مولاه الحق على قلبه ولسانه وجوارحه وهو لا يغار عليها.
والله حكيم عليم إذا أراد بعبده خيراً سلَّط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه.
وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء، وهذا من غيرته سبحانه وتعالى على عبده.
والله عزَّ وجلَّ كما يغار على عبده المؤمن فهو يغار له ولحرمته، فيدفع سبحانه عن قلوب الذين آمنوا وجوارحهم وأهلهم وحريمهم وأموالهم، يدفع عنهم ذلك كله غيرة منه لهم كما غاروا لمحارمه من نفوسهم ومن غيرهم.
والله يغار على إمائه وعبيده شرعاً وقدراً، ومن أجل ذلك حرم الفواحش، وشرع عليها أعظم العقوبات، وأشنع القتلات، لشدة غيرته على إمائه وعبيده، فإن عطلت هذه العقوبات شرعاً أجراها سبحانه قدراً كما قال سبحانه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، والله لأنَا أغْيَرُ مِنْهُ، والله أغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أجْلِ غَيْرَةِ الله حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أحَدَ أحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ الله، وَمِنْ أجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلا أحَدَ أحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ الله، وَمِنْ أجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الله الْجَنَّةَ» متفق عليه
* متى تمتلئ الجنة والنار؟:
جهنم لا تزال يلقى فيها من كفار الإنس والجن، وتقول هل من مزيد كما قال سبحانه: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30].
ولا تزال النار تطلب الزيادة حتى بضع رب العزة قدمه عليها، فينزوي بعضها إلى بعض.
والله عز وجل قد وعد النار ليملأنها من الجنة والناس أجمعين كما قال سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)} … [السجدة: 13].
والنار واسعة فلا تمتلئ حتى يضيقها الجبار على من فيها كما قال النبي (: «لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ» متفق عليه (1).
أما الجنة فلا يضيقها سبحانه، بل ينشئ لها خلقاً فيدخلهم إياها؛ لأن الله يدخل الجنة من لم يعمل خيراً قط؛ لأن ذلك من باب الإحسان.
وأما العذاب بالنار فلا يكون إلا لمن كفر بالله وعصاه، عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي (قال: «يَبْقَى مِنَ الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَبْقَى، ثُمَّ يُنْشِئُ اللهُ تَعَالَى لَهَا خَلْقًا مِمَّا يَشَاءُ» أخرجه مسلم