السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ابتلي بعض المسلمين اليوم بهذا الداء العظيم وهو الوسوسة ، ويعزى انتشار
ذلك بسبب البعد عن منهج الكتاب والسنة ، ونتيجة لذلك حصل التخبط والضياع
، وغالبا ما يكون ذلك بسبب تسلط الجن والشياطين وتعرضهم للإنس لابعادهم عن
خالقهم سبحانه وتعالى ، وتكون الوسوسة على عدة أوجه :
1 – وسوسة خارجية :
إن المعاناة التي يعاني منها المريض والتي تتعلق بهذا الجانب تؤثر
تأثيرا كبيرا على سلوكه وتعامله مع نفسه ومع الآخرين ، فتراه غير منضبط
في سلوكه وتصرفاته ، ويشعر دائما بالنقص في شخصيته وقدراته ، ولا بد لمن
يعاني من هذا الداء وعلى هذا النحو أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى وأن
يهتدي بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم لمعالجة ذلك الأمر الخطير ، وعادة ما
يكون تأثير الوسوسة الخارجية على النحو التالي :
الوسوسة في العقيدة والدين :
* عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : ( جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : وقد وجدتموه قالوا : نعم 0 قال : ذاك صريح الإيمان ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – برقم 209 ) 0
* روي في الصحيحين ( البخاري ومسلم ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه ذلك فليستعذ بالله ولينته ) 0
* عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول : من خلقك ؟ فيقول : الله ، فيقول : فمن خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : آمنت بالله ورسوله ، فإن ذلك يذهب عنه ) ( أخرجـه الإمـام أحمد في مسنده ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 1542 ) 0
* عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الناس يتساءلون ، حتى يقال : هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل : آمنت بالله ورسوله ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – برقم 134 ) 0
قال النووي : ( أما معاني الأحاديث وفقهها فقوله صلى الله عليه وسلم : ذلك صريح الإيمان ، ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان ، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك 0 وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه ، وأما الكافر فإنه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد 0 فعلى هذا معنى الحديث : سبب الوسوسة محض الإيمان ، أو الوسوسة علامة محض الإيمان 0 وهذا القول اختيار القاضي عياض 0
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن وجد ذلك فليقل : آمنت بالله وفي الرواية الأخرى ( فليستعذ بالله ولينته ) فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه 0 قال الإمام المازري – رحمه الله – : ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها ، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها 0 قال : والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين : فأما التي ليست بمستقرة ولا أوجبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها ، وعلى هذا يحمل الحديث ، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة ، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل لا أصل له ينظر فيه 0 وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فأن لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم 0
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليستعذ بالله ، ولينته ) فمعناه : إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه ، وليعرض عن الفكر في ذلك ، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان ، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 316 ، 317 ) 0
***ولطرد وسوسة الشيطان في الأمور الإعتقادية ، فلا بد من اتباع الوسائل
التالية اقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1)- أن يقدم اليقين على الشك : وهذا لا يكون إلا لمن صحت عقيدته وأخلص لله
توجهه ، وتمسك بحبل الله المتين والعروة الوثقى ، وابتعد عن المعاصي وحافظ
على كل ما يقرب إلى الله عز وجل 0
2)- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، ولينته عن التفكير في تلك الأمور 0
3)- أن يقول " آمنت بالله ورسله " 0
الوسوسة في الصلاة :-
* عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ، ثم يسلم ) ( متفق عليه ) 0
* عن عثمان ابن أبي العاصي – رضي الله عنه – قال : ( قلت يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ) ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام – برقم 2203 ) 0
قال النووي : ( أما خنزب فبخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة ومفتوحة ، ويقال أيضا : بفتح الخاء والزاي حكاه القاضي ، ويقال أيضا : بضم الخاء وفتح الزاي ، حكاه ابن الأثير في النهاية ، وهو غريب 0 وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عن وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثا ، ومعنى يلبسها أي يخلطها ويشككني فيها وهو بفتح أوله وكسر ثالثه ، ومعنى حال بيني وبينها أي نكدني فيه ، ومعنى لذتها ، والفراغ للخشوع فيها ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 358 ، 359 ) 0
***ولطرد وسوسة الشيطان في الصلاة فلا بد من اتباع الوسائل التالية اقتداء
بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
1)- أن يقدم اليقين على الشك 0
2)- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم 0
3)- التفل عن اليسار ثلاثا 0
4)- فإن عاد للوسوسة ، فعد لفعل ذلك 0
5)- إن لبس عليه يسجد سجود السهو 0
وكثير من الناس ممن يعاني من داء الوسوسة قد ابتلي بهذا الداء نتيجة
البعد عن منهج الكتاب والسنة ، واقتراف المعاصي وحب الشهوات والغرق في
الدنيا وملذاتها 0
2)- وسوسة داخلية عن طريق مس شيطاني :
* عن عثمان بن العاص – رضي الله عنه- قال : ( لما استعملني رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0
فلما رأيت ذلك ، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ابن أبي
العاص ؟ ) قلت : نعم ! يا رسول الله ! قال : ( ما جاء بك ؟ ) قلت : يا
رسول الله ! عرض لي شيء في صلواتي ،حتى ما أدري ما أصلي 0 قال : ( ذاك
الشيطان 0 أدنه ) فدنوت منه 0 فجلست على صدور قدمي0قال : فضرب صدري بيده
، وتفل في فمي ، وقال : (اخرج عدو الله ! ) ففعل ذلك ثلاث مرات0 ثم قال : (
الحق بعملك ) ( أخرجه ابن ماجة في سننه – كتاب الطب ( 46 ) – برقم ( 3548
) ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح ابن ماجة 2858 ) 0
**وكلا النوعين السابقين من أنواع الوسوسة يحتاج للآتي :
1)- العقيدة الصحيحة التي ترد وسوسة الشيطان ، وتحفظ الإنسان وتقيه من
كيده وتربصه 0
2)- الاعتصام بالله سبحانه وتعالى ، واللجوء إليه والتضرع له بالدعاء
والذكر 0
3)- المحافظة على تلاوة القرآن وحفظ السنة النبوية المطهرة 0
4)- الرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة 0
وأنقل كلاما جميلا لابن القيم – رحمه الله – يقول فيه : ( ومن كيده الذي بلغ
به من الجهال ما بلغ : الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة عند
عقد النية ، حتى ألقاهم في الآصار والأغلال ، وأخرجهم عن اتباع سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم
إليه غيره ، فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد ، والتعب الحاضر ، وبطلان الأجر
وتنقيصه ) ( اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان – 1 / 197 ) 0
قال الأستاذ زهير حموي : ( والوسواس على أنواع كثيرة منها :
1- الوسواس القهري أو اللاإرادي : وهو ما يتعلق بالسلوك اليومي ، والتردد
في فعل أشياء تتكرر في حياة الإنسان ، كالتأكد أكثر من مرة من إغلاق باب
البيت ، وهذا مجال بحثه في ( علم النفس ) 0
2- وسواس العقيدة وتلبيس الحق : وهذا الوسواس قد يتعرض له الإنسان في
مرحلة من مراحل حياته ، أو نتيجة ظرف معين يمر به ، وهو من الشيطان 0
3- وسواس الطهارة : ومن أساليب الشيطان في الوسوسة التشكيك في الطهارة ،
ومن مظاهر هذا الوسواس غسل الأعضاء في الوضوء أكثر مما نصت عليه السنة ،
وإعادة الوضوء 0
4- وسواس الصلاة : ومن أساليب الشيطان في الوسوسة التشويش على الإنسان في
الصلاة ، ومن مظاهر هذا الوسواس إعادة بعض الحروف وتكرارها في الصلاة ،
وإعادة النية – مكانها القلب – وكثرة الشرود في الصلاة ، والسهو فيها ) (
الإنسان بين السحر والعين والجان – باختصار – 213 ، 216 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن رجل في العقد الرابع من
العمر متزوج وله أولاد ، وكان يتمتع بصحة وعافية ، وقبل سنوات شعر بمرض
وراجع كثير من المستشفيات المتخصصة ، وأجريت له فحوصات طبية أثبتت خلو
الرجل من أية أمراض عضوية ، ومن ثم توجه الرجل للرقية الشرعية واستخدم
الماء المقروء عليه والعزائم ولكن دون جدوى حسب قوله ، وأخيراً توجه للطب
النفسي في المستشفيات المتخصصة ، وأشاروا عليه بأنه مصاب بالوسوسة ،
فشعر الرجل بألم لما قاله الأطباء ، وأصبح يفكر كثيراً ، وأصبح كثير الجدل
مع نفسه ، وقد تطورت الأعراض عنده واعتلّت صحته ، وفكر الرجل في تكذيب قول
الأطباء ، وأصبح يعيش بين الوهم والحقيقة ، ويطلب الإرشاد والتوجيه من
فضيلة الشيخ ؟
فأجاب – حفظه الله – : ( هذه الوساوس من الشيطان تعترض الكثير من الناس
حتى يشك في نفسه وفي دينه وفي إيمانه ، فالشيطان يوسوس في صدور الناس من
الجنة والناس ، ولا شك أن العلاج الوحيد هو دفع تلك الوسوسة وإبعادها عن
النفس حتى تريح نفسك وتستحضر أنك مؤمن بالله ، ومن المؤمنين ولست من
الأشقياء ، ولم تعمل ما يوقع في هذا الشك والتوقف وأن الله تعالى لا يعاقب
على حديث النفس ، ولا على الخيالات والتوهمات ، وقد وقع مثل هذا لأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ، وأمر من حظرت له هذه الوساوس أن
يستعيذ بالله وينتهي عن ذكر هذه الأمور ويشغل نفسه بالعلوم النافعة المفيدة
، وقراءة القرآن بالتدبر ، وبكثرة ذكر الله وشكره ودعائه والاستغفار
والتوبة والاستعاذة من الشيطان الرجيم ، وعليك بدفع هذه الوساوس كلما
خطرت ببالك ، واعلم أنها من الشيطان يريد أن يشق عليك حتى تمل من هذه
الحياة أو تشك في دينك وتكفر بربك ، فلا تطع الشيطان حتى ترجع إليك راحتك
وطمأنينتك وحياتك الطيبة والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ) (
مخطوطة بخط الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – بحوزة الشيخ علي بن حسين
أبو لوز – ص 272 – 273 – تاريخ الفتوى 23 / 4 / 1415 هـ ) 0 الشيخ أبو
البراء
منقوووووووووووووووووووووول
و دمتم سالمين :shy:
جزاك الله خيرا
وسلمت يمناك على النقل الرائع
تقبلي تحياتي
لبنى
و امين ان شاء الله كلنا اجمعين
و دمتم سالمين :shy:
و دمتم سالمين :shy:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير وبارك فيك
على المشاركة القيمة
جعلها الله في ميزان حسناتك
ننتظر منك المزيد
و دمتم سالمين :shy:
جزاك الله كل الخير اختي فاتنة العرب
و دمتم سالمين :shy: