فالبشر يختلفون في تصرفاتهم وتصوراتهم وسلوكياتهم وردود أفعالهم وأحاسيسهم تجاه ما يتعرضون له في هذه الحياه من مواقف فبعضنا يمضي ويترك خلفه كافه المواقف والكلمات والعبارات حتى المواقف لاتشكل لديه أي شئ وبعضنا تستقر الكلمه في ذاكرته تنام وتستيقظ معه وتبقى في أعماقه وعندها يبحث عن الخلاص . فأحيانا تكون الأشياء الصغيره أصعب مايكابده الإنسان فأنت تستطيع أن تجلس على قمه جبل شاهق وبكل راحه أكثر مما تستطيع الجلوس على مسمار صغير فالبعض حينما تواجهه كارثه يتماسك وحينما يتعرض لمشكله صغيره ينهار ويكتئب ويتآكل من الداخل كأن نمل يفترسه . كما أن الإحساس بالحياه والزمن والناس يختلف من شخص الى آخر ومن موقف الى آخر فالغياب والاغتراب والحزن قد يقتل البعض ويقوده الى كهوف مظلمه من المخاوف والأوهام والألام بينما البعض الآخر يكتشف في الغياب والإغتراب والحزن الإحساس بالحياه وبقيمه الصمت حينما يفتقد الأحبه والإعزاء كما أن البعض قد يرى في تجربه عاطفيه جديده أنها فرصه ثمينه ونادره لمصالحه ذاته وأحزانه ويسعى جاهدا للاستمتاع بهذه العلاقه الجميله بينما نجد في الضفه الإخرى من يحاول أن لايقترب كثيراأو يتعمق في هذه العلاقه خوفا من لحظه الفراق والحرمان القادمه والمنتظره . كما أن الإحساس بالجمال وتذوقه لايمتلكه الإ قله من البشر يرونه في زهره جميله وفي وجه طفله بريئه وفي نظرات إنثى حائره وفي شدو العصافير وهي تغرد فوق أغصان الأشجار العاليه بينما البعض الآخر لايرى الجمال الا في المال والجاه والمكانه الإجتماعيه .
إن الإحساس بالزمن والمسافه يختلف أيضا من شخص الى آخر ومن موقف الى آخر يدفع بالمرء الى السؤال عن حقيقة تلك المشاعر الجديده التي طفت على السطح وملئت حواسه بالذهول والإنبهار والحيره والتعجب من تغير الموقف وولاده مشهد جديد لم يعتده من قبل .. فالشاعر العربي المتنبي يقول :
كم سألنا ونحن ادرى بنجد
أطويل طريقنا أم يطول ؟
إنه هنا يعرف الطريق جيدا .. مسافته وزمنه الذي يحتاج اليه للوصول الى اهله وغايته لكنه هذه المره يبدوا مختلافا وطويلا أكثر من العاده ليسئل ذاته بتعجب :" أطويل طريقنا " تراه حقا طويل وهو لايدري ؟ أم أنه هذه المره فقط " يطول " لأن ثمه شئ تغير في نفسه وحسه ومشاعره ..
أحيانا تبدو الأشياء الجميلة متعبه في إنتظارها وترقبها رغم كل ماتحمله من أشواق وإشراق في قلوب العشاق .. إن الزمن لا يتغير لكن الإحساس به هو الذي يتغير لحظه الحب والشوق والإنتظار والحزن والخوف والخيبه والحرمان .. إن ساعة الحزن دائما أطول من يوم سعيد رغم ان الزمن لايتغير أبدا . إن ذات الإنسان هي التي تتغير وهي التي تحدد أبعاد المسافه والزمن والأماني فالبدايات عاده ماتكون مليئه بالدهشه والإنبهار والترقب لكنها ماتلبث أن تنطفئ وتذبل وتخبو مع الأيام والتعود وتتحول مع الزمن الى أشياء عاديه تماما فالمثل الألماني يقول :" من أتجر في الزهور لم يشم رائحتها " . بمعنى أن من يجد الزهور حوله كل يوم قد يضعف إحساسه بجمالها وتتحول بالنسبه اليه الى " بضاعه " كغيرها من البضائع التي لايعز عليه فراقها بل لعله يجد في بعدها عنه ما يحقق له المصلحه المرجوه منها وهي التخلص منها بالبيع .. اما المثل الفرنسي القديم فيقول :" لا يعجب بفستان إمرأه .. من يدفع ثمنه " وإنما يعجب به بالتأكيد من يبرع في التعبير عن هذا الإعجاب من لايكلفه هذا التعبير سوى كلمات قليله وسهله لا تترتب عليه أي إلتزامات وقد يكون من مفارقات الحياه التي تستحق التأمل أن من يعجب بفستان إمرأه " أي جمالها " قد يغفل في الوقت نفسه عن إظهار اعجابه بفستان زوجته أو جمالها . إن الإنسان لغز كبير وسر من أسرار الخالق عزوجل من الصعب أن يعرف ذاته جيدا فيكيف بمعرفه الآخرين وفهمهم إننا أحيانا ندعي الفهم والحكمه والمعرفه ثم ماتلبث الأيام أن تكشف لنا مدى سذاجتنا وغباؤنا وحماقتنا .. إن كثيرا من الرجال تنطبق عليهم العباره المريره التي تقول إن في حياه كل رجل إمراتين : واحده ندم على أنه لم يتزوجه وأخرى ندم أكثر على انه تزوجها وكذلك كثيرات من النساء في حياه كل منهن رجلان: واحد ندمت لأنها تركته وآخر مازالت تعض بنان الندم على أنها فظلته على الآخر وأختارته .
ولعل من أجمل الروايات التي تتحدث عن مفارقه الإحساس وغرابته ماكتبه الروائي العالمي " البير كامي " على لسان بطل روايته " الإنسان الأول " فلقد جاءت هذه العباره على لسان بطل الروايه والذي ولد يتيم للأب حيث أن والده توفي في عمر الشباب في سن الثلاثين وحينما بلغ بطل الروايه سن الأربعين وذهب لزياه قبر والده لأول مره في حياته تأمل غرابه الموقف إنه يزور قبر شخص لم يره في حياته ولقد مات في سن الثلاثين وهو الان قد تجاوز الأربعين مما يعني انه أكبر سنا وخبره من والده الميت في هذا القبر وهنا قال عبارته الجميله :" لقد حاولت أن أجد نفسي منذ البداية ، منذ أن كنت طفلا ، ماهو خير وماهو شر ، طالما لم يكن هناك من حولي من يستطيع أن يقوله لي ، والأن أعترف أن كل شئ تخلى عني وأنني في أشد الحاجه لمن يدلني على الطريق ويوبخني ويمدحني ليس طبقا للقوه ولكن طبقا للسلطه أحتاج الى أبي .. كنت اعتقد أنني أعرف كيف أتحمل مسؤليتي لكنني لم اعرف بعد ".
وللشاعر نزار قباني مقطع منى أبيات لقصيده جميله تقول كلماتها :
" ونسيت حقدي كله في لحظه
من قال إني قد حقدت عليه
كم قلت إني غير عائده له
ورجعت ما أحلى الرجوع اليه " .
إن الغضب والحقد والعداء الذي تكاثر في النفس والقلب والروح تلاشى وتبدد في لحظه حينما ينظر الإنسان لحظه واحده الى عين من يحب .. عين قلبه واحساسه وعواطفه تلك العيون التي ترسل الأشواق والإشراق الى ذلك القلب المرهق والمنهك والمظلم بالأحزان والأشجان فينسى المرء معها كل الوعود والعهود والمواثيق بعدم الرجوع ورفض كل محاولات القرب والتودد والوداد والوداد .
حقا " ماأحلى الرجوع اليه " متى ماكان هذا الرجوع خطوه عذبه في درب المحبه وقطره صافيه تغسل كل القلب من أحزانه ومتابعه وهمومه .
إن الإنسان في النهاية لا يستطيع أن يقيس مسافة الحياه ولايستطيع أن يقرر منتهى العمر لكن يستطيع الإحساس بالزمن والناس والحياه والأشياء .. يستطيع أن يزيد من مسافة ومساحة التفاؤل والرضى والمحبه والموده وأن يوسع من رقعة العمر وأن يحيا كل لحظه سعيده في حياته بصدق وعمق وحنو ليملأ هذا العالم من حوله بالطيبه والمحبه والوداعه .
محبتي
شجاع
أستاذي الكريم
شجاع
هنا وجدت نفسي بين سطورك كأنني أنتقل من عالم إلى آخر
تنوع فريد في وصف عالمنا الذي نعيش فيه
بل في وصف كل نفس بشرية
تضارب الأحاسيس شيء وارد ولكن ليس من الصعب أن يفهم الشخص نفسه أو أن يدرك رغباته فعندما يكون الإنسان واضحاً في تصرفاته بعيداً عن غموض الحياة التي ترسم ملامحها على شخصياتنا ذو نظرة ثاقبة لكل ما حوله فسوف ينجح بالتأكيد في فهم متطلباته
لن أزيد
فكلما قرأت أعود فأقول فلسفة رائعة من إنسان يعي الحياة ويدرك معناها الذي خفي على الكثير
أعتذر عن مداخلاتي الكثيرة ولكن … الكلمات تدفع إلى أن يرمي القارئ بما يدور في خاطرة بعد الاستمتاع بالقراءة على صفحاتك الرائعة
تقبل تحياتي وفائق إحترامي وتقديري
ياهلا وغلا
مرورك هو الروعه ياسيدتي
مودتي
شجاع