قبل أيام قليلة عم الفرح قلوبنا، وتحدث السرور إلى أفئدتنا، وصافح السعد أرواحنا.
قبل أيام قليلة عانقنا شهر الخير والإحسان، شهر الكرم والفضائل، وها نحن اليوم نلتقي على أعتاب العشر الأخيرة من شهر الخير والإحسان، نلتقي لنتذكر ذلك الفرح الذي غمر قلوبنا بقدوم هذا الشهر العظيم، ثم نعيش هذا الوداع الذي يعصر قلوبنا، الوداع الذي يسلبنا البسمة من أفواهنا، ويجعلنا نعاني ألم الفراق، وأي فراق؟ إنه فراق الفضائل والخيرات والبركات، فراق فرص عظيمة قد لا تعود على بعضنا مرة أخرى .. آه رمضان..
رمضان ما لك تلفظ الأنفاسا أولم تكن في أفقنا نبراسا؟!
لطفا رويدك بالقلوب فقد سمت واستأنست بجلالك استئناسا
أتغيب عن مهج تجلك بعدما أحيا بك الله الكريم أناسا
اسمع وداعك في نشيج مشيع ولظى فراقك يلهب الإحساسا
لكن رغم هذا فإننا أيضا نلتقي اليوم على أعتاب هذه العشر نهنئ أنفسنا ببلوغها فنقول: ما زال في الخير بقية، ما زال للفرصة أمد، لقد جاءت خير ليالي العام.
لقد رحلت العشرون من رمضان بما قدمنا فيها، رحلت شاهد صدق على ما عملنا فيها، فمنا المقدم ومنا المؤخر، ومنا المحسن ومنا المسيء، ومنا الظالم لنفسه، ومنا المقتصد، ومنا السابق بالخيرات، فيا كل من قصر فيما مضى من هذا الشهر، أو بطأ به عمله، أو أذنب وأساء؛ لا تقنط من رحمة الله.
هاهي العشر الفاضلة قد أظلتك، عشر ليال هي خير عشر الدنيا كلها. لأن فيها ليلة واحدة رفيعة الشأن عظيمة القدر، إنها ليلة القدر {وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر}
فهيا استأنف العمل فيها، وبادر بالطاعة. عجل بالمعروف فخير البر عاجله، وسارع بالإحسان وسابق ف ((التؤدة في كل شيء إلا في أمر الآخرة)) رواه أبو داود وصححه الألباني
شمر في هذه العشر الباقية لعلك تدرك ليلة القدر، لعلك تتدارك ما فات، لعلك تمحو ما مضى من إثم أو تقصير.
أقبل على الله عز وجل، وجد السير فهذا أوان المنافسين والمسابقين والمسارعين في الخيرات.
يا لله ما أعظمها من سعادة ، وما أجلها من منحة تظفر بها إن فزت بقيام ليلة القدر فخرجت بعدها كيوم ولدتك أمك قد غفر لك ما تقدم من ذنبك.
يا لله كم في هذه الليالي من جباه ساجدة ، وقلوب خاشعة ، وعيون باكية ، وأفئدة ضارعة ، وأقدام منتصبة في محاريبها.
خشوع ودموع .. تضرع ودعاء .. بكي تعلقت أفئدتهم بمالك الملك فتجافت جنوبهم عن مضاجعهم يتلذذون بمناجاة مولاهم والخلوة به و الأنس بقربه .. قد أنستهم لذة الطاعة كل لذائذ الدنيا .. فجدوا وشدوا المئزر .. وأطار ذكر المرجع والمعاد النوم من عيونهم .. فقاموا خاشعين متبتلين.. يدعون ربهم خوفا وطمعا .. يخرون للأذقان سجدا .. حال الواحد منهم أنه : قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .. لسان الواحد منهم: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .. أولئك هم الأخيار، قد عرفوا هول المطلع وعظمة الجبار، فأعدوا للموقف عدته، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون..
لقد اقتدوا بإمامهم عليه الصلاة والسلام، الذي عرفهم فضل هذه العشر، وكان أسبقهم فيها وأتقاهم وأعلمهم. كان عليه الصلاة والسلام يشمر فيها، ويبادر بالطاعة، ويسابق بالخير؛ حتى قالت عنه زوجه عائشة رضي الله عنها : "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر" رواه مسلم
جزاك الله خيرا أختي الكريمة
بارك الله فيك