ليس ثمة شك ان أصحاب الجنة هم الفائزون. فيا ترى كيف يمكننا ان نبلغ درجاتهم، وان نرافقهم في جنان الخلد؟
جواب ذلك يمكن حصره بكلمة: بالقرآن؛ وذلك لانه لم تأت مثله مذكرا للإنسان بربه، ومربيا له على روح الايمان والتقوى.. لذلك انه لو نزل على الجبال لاهتزت وتصدعت، فكيف لا يستجيب له قلب الإنسان؟!
قال الله تعالى: (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) (الحشر/ 21)
والتدبر في هذه الآية يهدينا إلى عدة حقائق،منها:
الاولى: انه تعالى اضاف اسم الاشارة (هذا) إلى القرآن، لماذا؟
ربما لانه اراد ان يذكر قاريء القرآن بان المعنى بالكلام هو كتابه الذي بين يديه، وانه يتضمن من الآيات والحقائق ما يصدع القلب. فاذا لم يخش تاليه ربه بسببه، فليعلم ان قلبه اقسى من الجبال.
واذا كانت الاشارة متوجهة إلى القرآن كله، فهي تشير بصورة خاصة إلى ذات الآيات القرآنية التي تقع في سياقها من سورة الحشر ـ بصفة اخص ـ.
وكيف لا تكون كذلك، وهي تشمل على تجل الله تعالى للمؤمنين بأسمائه الحسنى؟
الثانية: جاء اسم القرآن بالذات في هذا السياق، لماذا؟ ربما لان بلوغ الخشية والنفع بالآيات يكون بتلاوتها، وكونها مقروءة، وليس بمجرد اقتنائها او التزين بها.
فالجبل يخشع ويتصدع لو انزلت عليه الآيات التي تقرئ.
الثالثة: ان الجبل لا يخشع ولا يتصدع من القرآن بحروفه وورقه، وانما يصير إلى ذلك نتيجة المضامين العظيمة التي تشتمل عليها آياته؛ وأهمها وأعظمها انطواؤها على تجلي الخالق عز وجل. لذلك كان القرآن هو المنزل، بينما كانت الخشية من الله سبحانه.
اذن؛ فعظمت القرآن مكتسبة من ذلك التجلي، الذي ظهر بصورة اخرى للجبل، فاندك وخر موسى عليه السلام صعقا.
ثم يضيف ربنا عزوجل في الآية ذاتها: (وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).
ولنا ان نهتدي من هذا المثل إلى تصور مدى القسوة التي ينبغي ان يبلغها قلب الإنسان حتى لا يتأثر بالوحي خشية وتقى.
لا شك انه سيكون اشد قسوة من الحجارة، (,ان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله). (البقرة/ 74)
هكذا يضرب الله الامثال للناس، لعلهم يتفكرون فيهتدون إلى عظمة كتاب ربهم، فتلين به قلوبهم.
وتأكيد القرآن على إثارة العقل بالتفكير، لدليل واضح على انه ليس بديلا عن عقل الانسان، انما هو مكمل ومرشد له إلى الحق في اقوم صورة.
وهذه الآية تهدينا إلى ان عظمة القرآن لا تنكشف لأحد الا بالتفكر بآياته، ذلك انه كلما تقدم بالانسان الوعي والعلم كلما عرف عظمته وأحس بالحاجة اليه.
وبكلمة؛ ان الرسالة الالهية جاءت لتحرك عقول البشرية، وترفع تخلفها الفكري، ذلك ان الحركة الحضارية الحقيقية تبدأ باستثارة العقل وترتكز عليه. والعقول التي لا يحركها القرآن نحو التفكر والخشية من الله عز وجل وهو أعظم محرك، لهي اقرب إلى الموت من الحياة.
صفاء السراج
منقول
جزيتِ الجنة!!
جزاك الله كل خير و أعاننا على حفظ القرآن و تدبر معانيه 00انه على كل شيء قدير