قال ابن القيم – رحمه الله – :
فإذا كان كلُّ خيرٍ أصله التوفيق ، وهو بيد الله لا بِيَدِ العبد ، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصِدقِ اللجأ والرغبة والرهبة إليه ، فمتى أَعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له … وما أُتي من أُتي ، إلا من قِبل إضاعةِ الشكر وإهمالِ الافتقار والدعاء ، ولا ظَفِرَ من ظَفِر – بمشيئة الله وعونه – إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء .
وقال أيضا :
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبّد له ، ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبّب إلى مملوكه بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه ، مع غناه عنه
كفى بك عزّاً أنك له عبد وكفى بك فخراً أنه لك رب .
وقال ابن رجب – رحمه الله – : واعلم أن سؤالَ اللهِ تعالى دون خلقه هو المتعيّن ؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على دفع هذا الضرر ، ونيلِ المطلوب ، وجلبِ المنافع ، ودرء المضارّ ، ولا يصلح الذل والافتقار إلا الله وحده ، لأنه حقيقة العبادة .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار الى الله والاستكانة له ، وما شُرِعَتْ العبادات الا للخضوع للباري وإظهار الافتقار اليه .
( ومما يدل على فضله ) أن الله يُحب الدعاء ، ويُحب الملحِّين فيه
كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو الله كثيرا ، ويُلحّ في الدعاء .
روى ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال – وهو في قُبَّةٍ له يوم بدر – : أنشدك عهدك ووعدك . اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً . فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك .
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام .
قال ابن الأثير : معنى ألِظوا : إلزموه ، واثبتوا عليه ، وأكثروا من قوله والتلفظ به … وفي حديث رَجْم اليهودي ، فلمَّا رآه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألَظَّ به النِّشْدَة . أي ألَحَّ في سُؤاله وألزمَه إيَّاه .
وقد أثنى الله على خليله إبراهيم بأنه أوّاه ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) [التوبة:] .
قال ابن مسعود – رضي الله عنه – : الأواه : الذي يُكثر الدعاء .
قال ابن رجب : والله سبحانه يحبُّ أن يُسأل ، ويُرغبُ إليه في الحوائج ، ويُلحُّ في سؤاله ودعائه ، ويغضب على من لا يسأله ، ويستدعي من عباده سؤالَه ، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء ، والمخلوق بخلاف ذلك ، يكره أن يسأل ويحب أن لا يسأل ؛ لعجزه وفقره وحاجته ،
ولهذا قال وهب بن منبه – لرجل كان يأتي الملوك – : ويحك تأتي من يغلق عنك بابَه ، ويظهر لك فَقْرَه ، ويواري عنك غناه ، وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ، ويظهر لك غناه ، ويقول ادعني أستجب لك . وقال طاووس لعطاء : إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق بابه دونك ، ويجعل دونها حجّابَه ، وعليك بمن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة ، أمرك أن تسألَهُ ، ووعدك أن يجيبَك
كتاب:
( لا تَكُن أعجَز النَّاس فتترك سِلاحك )
بقلم فضيلة الشيخ /
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
_حفظه الله _
" اللهم اجعلنا ممن يستجاب دعاؤهم "
جزاك الله خير..