الحمد لله الرحمن الرحيم، منزل الكتاب رحمة للعالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فهذه لطيفة حقيق أن يعتني بها المسلم حتى ينتفع بكتاب الله حق الانتفاع بإذن الله وكرمه، نقلتها لكم من تفسير ابن كثير -رحمه الله-، من فصل تفسير الاستعاذة وأحاكمها.
سائلة الله أن يفتح علينا وعليكم من أنوار هذا الكتاب العظيم وأن يجعلنا من أهله الذين هم أهل الله وخاصته.. آمين.
*****
ومن لطائف الاستعاذة
أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث.
وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله.
وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني، وقال -تعالى-: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} [الإسراء:61-65]،
وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو االبشري، فمن قتله العدو الظاهر البشري كان شهيدا، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا، ولمّا كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول للفائدة…
ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ،
قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ،
ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [المؤمنون : 96 – 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 – 36 ] .