التهيؤ النفسي للصلاة 2024.

إن للعبادات ملكوتا وباطنا.. فليس الحج هذه الحركات التي يؤديها الحجاج.. وباطن الصلاة ليس هذه الحركات المعهودة فحسب، وروايات النبي (صلى الله عليه وعلى آله) ، تؤشر إشارة من بعيد إلى هذه الحقيقة، لعل هذا الحديث مما يلقي الضوء على هذا المجال، فمضمون الحديث : (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله عز وجل، ما انفتل من صلاته).. أي أنه ما ترك الصلاة لو التفت إلى ملكوت الصلاة، والمعاني التي تحملها الصلاة بين يدي الله عز وجل.

أسرار التهيؤ المسبق للقاء الله عز وجل:

إن على الإنسان أن يعيش حالة من الترقب للصلاة، فالإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل إلى ملكوت الصلاة، لا بد وأن يعيش هذا الهاجس قبل دخول الوقت، وهو يترقب الصلاة بكل شوق.. إن الأمور الكبرى في الحياة، والمعاني السامية تبدأ بالتلقين، وتتحول إلى واقع، وعلى الإنسان أن لا يمل من التلقين المستمر.. فالسير إلى الله عز وجل حركة معاكسة لطبيعة الإنسان لجهتين: لوجود قوة دافعة.. ولوجود قوة مانعة.

إن هناك قوة دافعة تدفع الإنسان الذي يريد أن يصل إلى الله عز وجل إلى العكس، ألا وهو الميل إلى شهوات الدنيا، والتثاقل إلى الأرض، وتقديم العاجل على الآجل، وتقديم اللذة على الفكرة، وتقديم المصلحة الآنية على المصلحة المستقبلية.. أضف إلى ذلك أن العبادة تعامل مع الغيب، والغيب إذا بقي غيبا محضا، لا يشكل داعية للإنسان الذي يؤمن بالله وبالمبدأ والمعاد، ولا يعيش حقيقة شهودية في قلبه.. فمن الطبيعي أن لا يسير إلى الله عز وجل سيراً حثيثاً، ولهذا من الطبيعي أن يحاول معاكسة التيار.. فالسباح الذي يريد أن يسبح خلاف التيار، يحتاج أول الأمر تكلفا ومعاناة ومجاهدة، إلى أن يتعود ركوب الموج وتجاوز العقبات.

إذن فإن مسألة الدخول في بحر الصلاة، تحتاج إلى تهيؤ نفسي مسبق، فقبل دخول الوقت يا حبذا لو يجعل الإنسان حائلا بينه وبين الصلاة – منطقة برزخية – لا هي صلاة، ولا هي تعامل مع البشر.. ولهذا يلاحظ بأن القرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة، ألا وهي التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.. قبل أن تغرب الشمس على الإنسان أن يجلس في المصلى، في مكان يهيئ نفسه للدخول بين يدي الله عز وجل، بذكر بعض التسبيحات، والمستحبات والتهليلات، بحيث يخرج تدريجياً من جو التفاعل مع عناصر هذه الدنيا.

ولهذا صلاة المؤمن تبدأ قبل الوقت بفترة طويلة، فالصلحاء لعله قبل ساعة، ولكن الإنسان العادي قبل ربع ساعة أو قبل عشر دقائق من دخول الوقت، ليحاول أن يتهيأ للصلاة بالوضوء المسبق، إذا كان ولا بد أن يصلي في المنزل لا في بيت من بيوت الله عز وجل، ولا بد وأن يهيأ مكانا فارغا للعبادة.. إن اتخاذ مكان ثابت للصلاة في المنزل من دواعي التوجه!.. من المستحب أن يجعل الإنسان في بيته محلاً خاصاً للصلاة بين يدي الله عز وجل، كلما جاء إلى المصلى تذكر ساعات إقباله، بالأمس أو قبل أيام كان خاشعاً على هذه السجادة، ولعل دموعه جرت على هذه السجادة المادية، إن هذا الجو جو مفعم بأجواء النور، جو مكهرب – إن صح التعبير – كلما دخل هذا المكان كلما أحس بتلك الأجواء، ولهذا نقرأ في القرآن الكريم: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً}.. يبدو أن مريم اتخذت محراباً ومكاناً ثابتاً للعبادة بين يدي الله سبحانه وتعالى.. إذن هذه الفترة الحائلة بين العمل اليومي، وبين الصلاة مسألة مهمة.

وإن من صور التهيؤ المقترحة: أن يسجد الإنسان بين يدي الله عز وجل، قبل دخول الوقت في سجود عبادي تأملي، مع الأسف نحن نتخذ السجود وقتا للعبادة وللذكر، وبعض الأوقات حركة شكلية لإثبات التذلل بين يدي الله عز وجل، ولكن حقيقة السجود حقيقة جامعة مستوعبة.. ما المانع أن يعيش الإنسان أجواء مختلفة من التذلل، ومن المناجاة، ومن التأمل فيما سيقبل عليه من اللقاء بين يدي الله عز وجل؟!..

إن من موجبات التوفيق والتهيؤ للصلاة الخاشعة، السلوك بين الصلاتين.. يعني من موجبات التوفيق للصلاة هي مراقبة السلوك بين الحدين.. فالذنب السابق للصلاة يؤثر على توجه الإنسان، فعندما يأتي إلى الصلاة، يأتي وهو يعيش جوا من أجواء البعد عن الله عز وجل.. هناك تعبير جميل في كتب الأخلاق يقول: من يلطخ نفسه بالعسل، ثم يقترب من محل النحل والزنابير، من الطبيعي أن تهجم عليه الزنابير لتلدغه في كل بقعة من بقاع جسمه، لأن وجوده يغري هذه الزنابير.. كذلك الشياطين تستهوي هذا الإنسان العاصي، الذي كان منهمكا في لذاته، وفي معاصيه، وفي غفلاته.. فعندما يقف للصلاة بين يدي الله عز وجل، تهجم عليه اللوابث، وتهجم عليه الشياطين، والأوهام والخواطر الحقة والباطلة، بحيث ينتهي من الصلاة، وهو لا يفقه كلمة من كلمات صلاته، وإلا فما هي دواعي الشك في الصلاة؟..

إن الشكوك الصلاتية لها حلول يبنى على الأكثر وعلى الأقل، ولكنها سلبية!.. فليس من المعقول أن المؤمن المتوجه في صلاته، يصاب بحالات الشك والذهول في الصلاة، بحيث يشك بين الركعة الثانية والركعة الرابعة!.. فالركعة الثانية مناجاة مع رب العالمين، يقال: في الركعة الثانية الإنسان يأخذ عزه في الحديث مع الله عز وجل.. بينما الركعة الرابعة فيها رائحة الوداع، وفيها رائحة الهم والغم، فالإنسان بعد لحظات سينتهي من لقاء الله عز وجل.. فكيف يخلط المؤمن بين الركعة الثانية، وبين الركعة الرابعة؟!.. بل حتى الركعة الثالثة؟!.. إذن فإن الشك الكثير في الصلاة، والسهو الكثير، علامة على نوع من أنواع الإدبار في الصلاة، وعدم التوجه الكامل للمضامين الصلاتية.

وفي الحقيقة أن الإنسان في حياته يحتاج إلى من يبث إليه همومه، يقال: الذي لا أنيس له ولا صديق له ولا متنفس له ولا مفزع له في الحياة، يعيش حالة الكبت والكبت ثم الانفجار، وبعد ذلك الانهيار الكامل.. إذا كان الإنسان العادي يتخذ بين فترة وأخرى ذريعة لتفريغ الهموم، فلماذا لا يجعل من الصلاة هكذا معنى.. في روايات ، أن النبي (ص) وذريتهوالصحابة والتابعين ، كانوا يفزعون إلى الصلاة كلما أهمهم أمر.. والمؤمن يجب أن يكون كذلك ليس في المسجد فحسب!.. وإنما في جوف الليل، وفي المنزل، عندما يكون الإنسان في قمة الغضب واليأس والنظرة السوداوية في الحياة، يذهب ويتخذ زاوية من المنزل، ليتكلم مع رب العالمين.

نعم، إذا جعل الإنسان الصلاة ذريعة للحديث مع الله عز وجل، تحولت الصلاة إلى محطة من محطات الأنس، وتحولت الصلاة في حياة بعض المؤمنين إلى محطة للتلذذ والارتياح، تلك المحطة التي لا تساويها محطة من محطات التلذذ المادي للمتاع الزائل، الذي لا يبقى للإنسان أبدا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيراً و جعله في ميزان حسناتك

عروسعروسعروس

اشكرك على مرورك اللطيف وربي يجعلة في صحيفة اعمالك:smile:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خير وبارك فيك
على الموضوع القيم

ننتظر منك المزيد

&& الدروس المهمة لعامة الأمة &&
Ooمجموعة أناشيد …….. لاتفوتكم oO
Alien skin xenofex 2.0 فلتر للفوتوشوب كامل

وربي يجازيك الجنة ومشكورة على المرور اللطيف:smile:
شكرا لج موضوعج قيم

جزاج الله خير الجزاء:smile:

تسلمين حياتى على المرور والتعقيب وربي يجازيك الجنة 🙂
سبحان الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.